للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم صار يصرح في مجلسه بأن من أطلق على ابن تيمية شيخ الإسلام فهو بهذا الإطلاق كافر، فانتدب حافظ الشام الشَّمس ابن ناصر الدين (١) فجمع كتابًا سمّاه "الرَّدُّ الوافر على من زعم أن من أطلق على ابن تيمية شيخ الإسلام كافر" جمع فيه كلام من أَطلق عليه ذلك وأرسل نسخته إلى القاهرة فقرّظه المشايخ. ذكره السخاوي (٢).

مناظرة: إمام الحرمين و [الشيخ] أبي إسحاق الشّيرازي، نقل أن الشيخ لما دخل نيسابور سفيرًا من طرف المقتدي لخطبة بنت السلطان ملكشاه، حمل شيخ البلد إمام الحرمين غاشيته كالخدم، ثم تناظرا في مسائل يقضي الفاضل عند سماعها بالعجب (٣). وذكر السبكي أن كل مسألة في أوراق لو أراد فاضل في عصرنا أن يفردها بالتصنيف وكشف أشد الكشف لما قدر أن يصنّف فيها أكثر مما أورده الشيخ على البديهة في مجلس المناظرة. وكان الشيخ يحفظ مسائل الخلاف كما يحفظ إنسان الفاتحة.

مناظرة: المولى زيرك والمولى خواجه زاده، حُكي أن زيرك كان معلّم السلطان محمد خان [الفاتح] فادعى الفضل يومًا على السيد الشريف عنده، فثقل ذلك الكلام عليه، ودعا خواجه زاده وأمر بالبحث معه وكان له سؤال على برهان التوحيد فأرسله إليه ليكتب جوابًا عنه، فلما كتب حضر عند السلطان والحكم بينهما المولى خسرو. وكان خواجه زاده يومئذ مدرسًا ببروسا، فشرع أولًا في الكلام وقال: فليعلم السلطان أنه لا يلزم من الإنكار على البرهان الإنكار على المدعي ثم قرّر سؤاله وأجاب عنه المولى زيرك وجرى بينهما مباحثات عظيمة ولم ينفصل الأمر في ذلك حتى استمرت المباحثة إلى سبعة أيام. وأمر السلطان في السادس، أن يطالع كل منهما ما حرّر صاحبه فكتب المولى خواجه زاده ما حرّر صاحبه على ظهر نسختيه فقال السلطان تلطيفًا به: أيها المولى لا تكتب كلماته غلطًا قال: ولو كتبت غلطًا لا يكون ذلك الغلط أكثر من غلطه فضحك السلطان. ثم في اليوم السابع ظهر فضل المولى خواجه زاده عليه وحكم بذلك المولى خسرو أيضًا فقال السلطان: أيها المولى قد ورد في الحديث: إن "مَنْ قَتَلَ قَتِيْلَا [لَهُ عَلَيهِ بَيِّنَةً] فَلَهُ سَلَبُهُ" (٤) وأنت قتلت هذا الرَّجل فأعطيتك مدرسته، فذهب المولى زيرك إلى بروسا. ولما خرج اجتمع عليه أحباؤه فقالوا له: كيف كان


(١) واسمه (محمد بن عبد الله بن محمد القيسي الدمشقي) انظر ترجمته في "شذرات الذهب" (٩/ ٣٥٤ - ٣٥٦).
(٢) انظر "الضوء اللامع" (٨/ ١٠٤).
(٣) في الأصل: "العجب" وما أثبتناه يقتضيه سياق الكلام.
(٤) قطعة من حديث رواه البخاري رقم (٣١٤٢) في فرض الخمس: باب من لم يخمس الأسلوب، ومسلم رقم (١٧٥١) ( ... ) في الجهاد والسّير: باب استحقاق القاتل سلب القتيل، من حديث أبي قتادة -رضي الله عنهما-، وما بين الحاصرتين تكملة منهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>