للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيما لم يحسنوه وأيّ كلام أفصح من كلام ربِّ العالمين وقد قالوا: {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} (١). وهذا الإمام قد قال في حقِّه صاحب المقامات العلية والأسرار الرَّبَّانية أبو الحسن علي بن عبد الله الشَّاذلي (٢) في من كانت له عند الله حاجة فليتوسل إلى الله بالإمام أبي حامد الغزالي. من "القبس المجتبى" (٣).

اجتناب الكبار عن المناصب الدُّنيوية: ذكر صاحب "عيون الأنباء" (٤) أن أفلاطون كان متمكنًا بأثينة ونصب فيها بيتي حكمته وعلَّم الناس فسار فيهم أحسن سيرة وفعل الجميل وأعان الضعفاء وراموه أن يتولى تدبير أمورهم فامتنع؛ لأنه وجدهم على تدبير غير التدبير الذي يراه صوابًا وقد اختاروه وتمكن من نفوسهم فعلم أنه لا يمكنه نقلهم عنه وأنه لو رام نقلهم عما هم عليه لكان يهلك كما هلك أستاذه سقراط. على أن سقراط لم يكن رام استكمال صواب التدبير انتهى. وفيه عظة لمن اعتبر وتدبر في أحوال المناصب العثمانية في عصرنا هذا.

روي أن الفاضل خواجه زاده، لما تولى التدريس بمدرسة سلطانية بروسا بعد قضاء العسكر، كان يفتخر به فوق ما يفتخر بقضاء العسكر. ولما استقفصي بأدرنة وإستانبول تأسف عليه. وعن العِذَارِي (٥) أنه كان يقول: المصيبة كل المصيبة قبوله القضاء إذ لو داوم على الاشتغال الذي كان هو عليه لظهر له آثار عظيمة في العلم بحيث يتحير أولو الألباب.

وفي "الشقائق" أن السلطان سليم خان كتب إلى المولى علي الجمال من بلدة أدرنة، وقال: أعطيتك قضاء العسكر وجمعت لك بين الطَّريقين؛ لأني تحققت أنك تتكلم بالحق. فكتب المولى المذكور في جوابه وقال: وصل إلى كتابك سلّمك الله وأبقاك وأمرتني بالقضاء وإني ممتثل أمرك إلا أنّ لي مع الله عهدًا أن لا يكتب اسمي في ديوان القضاء وأن لا يصدر عني لفظ حكمت فأحبه السلطان محبة عظيمة لإعراضه عن العز والجاه.

عجز الكبار وحصر الأخيار: ذكر الزركشي في "عقود الجمان" أن الحافظ محب الدين محمد بن محمود بن النجّار البغدادي (٦) كان حسن المحاضرة، يقال: إنه حضر مع التاج


(١) انظر سورة الأنعام: الآية (٢٥) وسورة الأنفال: الآية (٣١) وسورة النحل: الآية (٢٤) وسورة المؤمنون: (٨٣) وسورة الفرقان: الآية (٥) وسورة النمل: الآية (٦٨).
(٢) واسمه (علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي المغربي) عرف بكنيته (أبي الحسن) وكان رأس الفرقة الشاذلية. انظر ترجمته في "نكت الهميان" (٢١٣) و"شذرات الذهب" (٧/ ٤٨١)، وفي القسم الأول برقم ٣٠٩١.
(٣) واسمه الكامل: "القبس المجتبى في شرح أسماء الله الحسنى" انظر بشأنه "كشف الظنون" (٢/ ١٣١٦).
(٤) انظر "عيون الأنباء" (١/ ٨٤).
(٥) هو: المولى قاسم الكرمياني المتوفى سنة ٩٠١ بأدرنه انظر "الشقائق النعمانية" طبع إستانبول (٢٨٤ - ٢٨٥).
(٦) ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (٢٣/ ١٣١) و"شذرات الذهب" (٧/ ٣٩٢)، وفي القسم الأول برقم ٤٦٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>