للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبلغ درجة الفضل. وقال في حق الثاني. إنه يستحصل الفضل ويكون له شأن في العلم، وكان كما قال:

هركس كه كند در طلب علم تكاسل ... هركز ندهد دست باو دانش وحكمت (١)

وذكر الجَنَدي أن الشيخ أبا بكر المخائي المتوفى سنة خمسمائة كان فقيهًا جليلًا، متى وصله طالب سأله عن حَسَبه ونسبه، فإن وجده ذا أصل لايق أقرأه وأمره بالاجتهاد وإلا صرفه عن الطلب انتهى. كما أن الحكماء لا يُعَلِّمُون الحكمة إلا أولادهم.

وذكر صاحب "الشقائق" (٢) في ترجمة خواجه زاده أنه كان والده من التجار، ذا ثروة عظيمة وكان أولاده مرفّهين في اللباس والعَبيد وعيّن للمولى المذكور في شبابه كل يوم درهمًا واحدًا فقط لاشتغاله بالعلم وتَرْك طريقة والده. وفي يوم من الأيام اجتمع والده مع الشيخ العارف بالله ولي شمس الدين من خلفاء السيد البخاري بواسطة فرأى سوء حاله في صف النِّعال وعليه ثياب دنية. ورأى إخوته متجملين فقال لوالده: من هؤلاء؟ فقال: أولادي: ومن هذا؟ قال: هو أيضًا ولدي لكني اسقطته من عيني لتركه طريقتي، فنصح الشيخ له. ولما قام عن المجلس، قال لخواجه زاده: لا تتأثر من سوء الحال فإن الطريق طريقتك ويكون لك شأن عظيم ويقوم إخوانك عندك في مقام الخدم والعبيد. وكان لا يقدر على اشتراء الكتاب ويكتب كتابه على أوراق ضعيفة ثم إنه حَصَّل العلوم واشتهر فبلغ خبره إلى السلطان محمد خان، فدعاه وجعله معلمًا لنفسه وقاضيًا للعسكر ولما سمع والده قام من بروسا إلى أدرنة لزيارته فلما قرب استقبله المولى المذكور وتبعه علماء البلد وأشرافه فلما رأه المولى نزل عن فرسه فتعانقا واعتذر إليه عن تقصيره وقال المولى: إنك لو أعطيتني مالًا لما بلغت إلى هذا الجاه. ثم إنه صنع ضيافة عظيمة وجمع العلماء والأكابر وجلس هو في الصدر ووالده عنده فجلسوا على قدر مراتبهم ولم يكن لإخوانه (٣) الجلوس في المجلس لازدحام الأكابر. فقاموا مقام الخُدَّام. فقال المولى في نفسه: هذا ما ذكر لي الشيخ شمس الدين. انتهى.


(١) بيت الفارسية معناه: كل من تكاسل في طلب العلم فلا تبلغ يداه علمًا ولا حكمة.
(٢) انظر "الشقائق النعمانية" (١٢٦ - ١٣٠) طبع إستانبول و (٧٦ - ٧٨) طبع بيروت، وما بين الحاصرتين تكملة منه.
(٣) في الأصل: "لإخوانهم" والتصحيح من "الشقائق النعمانية" بطبعتيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>