للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليعرضه علينا وأذن له في دخول دار السلطنة راكباً وأنه ينزل قريباً من المحل الذي ينزل فيه السلطان ولا ينزل فيه أحد غيره لا وزير ولا صغير وكبير، غير أن المولى المذكور امتنع تواضعاً منه واحترازاً عن الحسد وأقام مدة يسيرة وسافر مع السلطان إلى أدرنة واشتدَّ عليه مرض رجليه فوصف له بعض الأطباء أنه يدهن رجليه بدهن النفط ففعل فما مضى له إلا ساعة حتى سرت حرارته إلى قلبه وانتقل إلى رحمة الله. وفي "طبقات النحاة" أن الشيخ أبا الرِّيحان البيروني (١) لما صنَّف "القانون المسعودي" أجازه السلطان بِحِمْلِ فيلٍ فضة فرده بعذر الاستغناء عنه. انتهى.

فضل الملوك والوزراء: كان الوزير إسمعيل بن عَبًّاد (٢) قد سمع الحديث من المشايخ الجياد عوالي الإسناد وعقد له مجلس الإملاء فاحتفل الناس بحضوره فلما خرج إليهم (٣) بزيِّ الفقهاء، أشهد على نفسه بالتوبة والإنابة مما يعانيه من أمور الوزارة وذكر أنه إنما يأكل من حين نشأ إلى يومه من أموال أبيه وجده فاستملى عليه جماعة لكثرة مجلسه بحيث كان له ستة مستملين وكان من جملة من يكتب عنه القاضي عبد الجبار الهمداني (٤) وأضرابه من رؤس الفضلاء.

روي أن أمير البصرة محمد بن سليمان (٥) أرسل إلى حَمَّاد بن سَلَمة (٦) رسولاً مع كتاب فيه: أما بعد: فَصَبَّحكَ الله بما صَبَّح به أَوْلِياءه. وقعت مسألة فأتنا نسألك عنها والسلام. فكتب حَمَّاد، أما بعد: فإنا أدركنا العلماء وهم لا يأتون أحداً فإن وقعت مسألة فأتنا وسل عما بدا لك وإن أتيتني فلا تأتني إلا وحدك ولا تأتني بخيلك وَرَجْلِكَ والسلام. فلما وصل كتابه إليه امتثل ودخل [وحده، فسلَّم] وجلس بين يديه وهو جالس على حصير في بيته ليس غيره وغير الجِرَاب (٧) والمَطْهَرة والمُصْحَف. ثم ابتدأ وقال: مالي إذا نظرت [إليك] امتلأت رُعباً؟ فقال


(١) واسمه (محمد بن أحمد) انظر ترجمته في "بغية الوعاة" (١/ ٥٠ - ٥١) و"الأعلام" (٥/ ٣١٤)، وفي القسم الأول برقم ٣٩٠٤.
(٢) ويعرف بـ (الصاحب بن عَبَّاد) انظر ترجمته في "شذرات الذهب" (٤/ ٤٤٩) و"الأعلام" (١/ ٣١٦)، وفي القسم الأول برقم ٢٩١.
(٣) في الأصل: "إليه" وما أثبتناه يقتضيه سياق الكلام.
(٤) واسمه (عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار) انظر ترجمته في "شذرات الذهب" (٥/ ٧٨) و"الأعلام" (٣/ ٢٧٧)، وفي القسم الأول برقم ٢٤٥٢.
(٥) واسمه (محمد بن سليمان بن علي ابن عم المنصور، وكان أميراً وفارساً) انظر ترجمته في "شذرات الذهب" (٢/ ٣٣٤) و"الأعلام" (٦/ ١٤٨).
(٦) تقدمت ترجمته في القسم الأول برقم ١٥٤٩.
(٧) الجراب: وعاء من إهاب الشاة لا يوعى فيه إلّا يابس. انظر "لسان العرب".

<<  <  ج: ص:  >  >>