للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي "طبقات الحنفية" أن أسد بن نوح كان شجاعاً عاقلاً وكان يتولى الخطبة بنفسه. وسأل عن علماء بلخ فَذكر له خلف بن أيوب (١) ووصفوا له زهده وعلمه فركب إلى ناحيته فلما رآه ترجل وقصده فقعد خلف وغطى وجهه فسلّم عليه فأجاب ولم يرفع رأسه، فرفع الأمير أسد رأسه إلى السماء وقال: اللهم إن هذا العبد الصالح يبغضنا فيك ونحن نحبه فيك فركب ومرّ فأخبر بعد ذلك أن خلفاً مرض فعاده فقال: هل لك من حاجة؟ قال: نعم، حاجتي أن لا تعود إليَّ وإِن مت فلا تصلِّ عليَّ وعليك السواد، لإن السواد فيهم كان شعاراً لآل عباس، فلما توفي شهد أسد جنازته راجلاً ثم نزع السواد وصلى عليه فسمع صوتاً بالليل: بتواضعك وإجلالك لخلف ثبتت الدولة في عقبك.

وفي "عيون الأنباء" قال جالينوس: إن بقراط لم يجب أحد ملوك الفرس العظيم وهو أردشير، جد دارا فإنه عرض في أيامهم وباء فوجه إلى عامله بمدينة فاوان أن يحمل إلى بقراط مائة قنطار ذهب وتحمله بكرامة عظيمة وإجلال وأن يكون هذا المال تقدمة له ويضمن له إقطاعا بمثلها. وكتب إلى ملك اليونان يستعين به على إخراجه إليه وضمن له مهادنة سبع سنين فلم يجب بقراط إلى الخروج عن بلده إلى الفرس فلما ألح عليه ملك اليونان قال له: لست أبذل الفضيلة بالمال.

وكان الشيخ سراج الدين عمر المعروف بقارئ الهداية (٢) يتناول ما يحتاج إليه ويحمله من السوق ومع ذلك لا يزداد إلاّ وقاراً. ولما ولي تدريس الشيخونية أراد أن يتوجه إليها من مسكنه ماشياً فبادر الأشرف وأرسل إليه فرساً وألزمه ركوبها ففعل، لكن أخذ بيده عصا يسوقها بها وكان ينزل عنها برجليه معاً كالحمل وكان يتوضأ من فسقية البرقوقية ويضع عمامته إلى جانبه ليمسح على جميع رأسه خروجاً من الخلاف وربما نسيها وتركها ويصلِّي بلا عمامة، وربما يجيء بعض أصحابه فيأخذها ويلحقه إلى منزله.

ذكره تقي الدين نقلاً عن "الضوء اللامع" (٣). ذكر تقي الدين في ترجمة المولى علي بن أمر الله، أنه لما تولى قضاء العسكر بأناطولي وكان لا يقدر على المشي إلا بعسر زائد فقال الوزير محمد باشا للسلطان: إنه لا يقدر على المشي وأراد أن يصرف الأمر عنه إلى غيره لأنه كان منحرفاً عنه، فلم يقبل السلطان قوله، وقال: إن لم يقدر يكتب ما يحتاج إليه من العرض ويدفعه إلى رفيقه قاضي العسكر التالي


(١) ترجمته في "الجواهر المضية" (٢/ ١٧٣)، وفي القسم الأول برقم ١٦٣٧.
(٢) واسمه (عمر بن علي بن فارس) انظر ترجمته في "شذرات الذهب" (٩/ ٢٧٦) و"الأعلام" (٥/ ٥٧)، وفي القسم الأول برقم ٣٣٦٢.
(٣) انظر انظر "الضوء اللامع" (٦/ ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>