النحيب والنشيج. حتى أبكى من حضر، من البدو والحضر. فأخذ القوم في تسكين ارتعاشه، وتمكين انتعاشه. حتى خمدت لوعته وهمدت روعته. فحباه كل واحد بدينار، وقال: أدع ربك لي واستغفره بالأسحار. قال إني قد تجردت عن عرض الدنيا، إلى الغاية القصيا، فلا أقبل منه مثقال ذرة ما دمت أحيي. ثم نهض بي مكبراً، وولى مدبراً. فبات بليل أنقد يساهر الفرقد. وهو لا يفتر من ذكر الله، ولا يمل من الصلوة حتى إذا أخذت الدراري في الأفول، قام على مرقبة وأنشأ يقول:
قم في الدجى يا أيها المتعبد ... حتى متى فوق الأسرة ترقد
قم وادع مولاك الذي خلق الدجى ... والصبح وامض فقد دعاك المسجد
واستغفر الله العظيم بذلة ... واطلب رضاه فإنه لا يحقد
واندم على ما فات واندب ما مضى ... بالأمس واذكر ما يجيء به الغد
واضرع وقل يا رب عفوك إنني ... من دون عفوك ليس لي ما يعضد
أسفاً على عمري الذي ضيعته ... تحت الذنوب وأنت فوقي ترصد
يا رب لم أحسب مرارة مصدر ... عن زلة قد طاب منها المورد
يا رب قد ثقلت علي كبائر ... بإزاء عيني لم تزل تتردد