وإذا استحلت الحرمات واغتصبت المحصنات الغافلات المؤمنات في عقر دار المسلمين ضربوا عن ذلك صفحا، وسمعتهم يتحدثون عن الحيض وأقسامه وكثير من أحكامه المعقدة أمام حشود الرجال الذين يستحل حرماتهم أعداؤهم في عقر دارهم، وهم في أمس الحاجة إلى سماع ما يحثهم على الجهاد في سبيل الله بالأنفس والأموال.
وإن أمثال هؤلاء كمثل طبيب يرى مريضين: أحدهما عنده صداع خفيف، والآخر مصاب إصابات خطيرة برصاصات قاتلة، تدعو الضرورة إلى الإسراع بمعالجته، فيتركه ويهتم بمعالجة صاحب الصداع!. (١)
وهكذا يجد المصلون أنفسهم أمام خطباء - كأجهزة الإعلام - يصفون الظلمة بالعدل، والجبناء بالشجاعة، والفساق بالطاعة، أو يجدون أنفسهم أمام خطباء يتحدثون عن موضوعات بعيدة عن حياتهم، أو هي من حياتهم ولكنهم يحتاجون إلى الحديث عما هو أهم وأولى، فلا يجدون ملجأ يلجئون إليه إلا أن يهربوا من أولئك الخطباء وخطبهم، إلى وضع رؤوسهم على أكفهم ليخلدوا إلى النوم حتى تقام الصلاة!
(١) المقصود من هذا أن بعض أولئك الخطباء، وكذلك بعض المفتين والوعاظ، يهملون ما هو ضروري أو أولى بالاهتمام؛ لأنه حدث الساعة، وضرره على الأمة أشد من غيره، ويهتمون في نفس الوقت بما يمكن تأجيله أو تناوله بما يحقق معرفته دون إهمال الضروري أو الأهم، أي إنهم يهولون ما لا يحتاج إلى التهويل ويهملون ما هو مهول فعلا، وليس المقصود إهمال الأحكام التي يحتاج إليها الناس في أي باب من أبواب الشريعة.