فيه ويحسن في تفصيله ومسائله؛ إذ قد يعلم الجملة من لا يعلم التفصيل؛ ولذلك حسن تجاحد أشياء معلومة هي معلومة بالتواتر أو بالآحاد، وهل هي معلومة ضرورة أو استدلالاً لما كان الحال فيها ما وصفناه!.
فأما قولهم على هذا أنه يوجب أن يكون من خالف جاحدين للضرورة: فجوابه أنا لا ندعي عليهم ذلك مع علمهم به، ولكن كما يدعون علينا مثله في بسم الله الرحمن الرحيم وغيرها، فأما أصحاب الشافعي فيلزمهم الاحتجاج على أهل العراق بنقل الصاع والمد مثل ما ألزمونا، ويقال لهم في جوابه هذا لو لم يكن ذلك معلومًا ضرورة، لكن مالك بن أنس وأصحابه وغيرهم من فقهاء المدينة رضي الله عنهم يدعون الضرورة فيما هم غير منظرين إليه ولا عالمين به؛ فما يستحسنون من الجواب في هذا فيجب أن يرضوا بمثله، وما ذكروه من خبر الواحد، وأنه لا يجوز أن يخفي على مسلم إلا أن يبين كذب مدعيه أو أن يرد على وجه مخالف العادة في الأخبار.
فإن قالوا: فقد ثبت في الجملة أن كل خبر متواتر فإنه حجة يلزم المصير إليه فما فائدة تخصيص أهل المدينة ومثله لازم في نقل كل أهل بلد؟
قيل لهم: لسنا نزعم أن الخصة تخص نقل أهل المدينة فقط دون غيرهم من أهل البلاد، ولكن لم يتفق لغيرهم من ذلك ما اتفق لهم، ولو اتفق لغيرهم مثل نقلهم لكان حجة، وليس ذلك لمعنى يرجع إلى البلاد ولا إلى من ولد فيه وأقام فيه، ولكن لأمور اتفقت لهم عدمت فيمن سواهم من مصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكونه بينهم، ومشاهدتهم لما يقوله ويفعله ويقر عليه أو يتركه إلى أن مات؛ فتوارثوه بينهم نقلاً كما توارثت أهل كل بلد