نقل سيرة سلطانهم وما كان تعاملهم به واستفاض بينهم معرفة غيرهم منهم؛ فكذلك سبيل غير اهل المدينة مع نقل أهل المدينة أنهم يعرفون ما عرفه أهل المدينة من قبل نقلهم إليهم؛ فكان أصل التواتر بها. فهذا وجه اختصاصهم بثبوت الحجة بنقلهم.
هذا عمد ما يورده المخالفون، وما نجده من كلامهم سواه فإنما هو على ظنهم أنا نقوله؛ فمن ذلك إفسادهم الاحتجاج لإجماع أهل المدينة للأخبار المورثة في فضلها، وهذا لا يتعلق به نحن ولا غيرنا.
ومن ذلك قولهم أن أهل المدينة بعض الأمة، والخطأ جائز عليهم، وأن الدليل إنما قام على عصمة جميع الأمة دون بعضها.
وهذا أيضًا لا تعلق فيه؛ لأنه كلام على من يزعم أن إجماعهم من طريق الاجتهاد حجة، وليس هذا مسألتنا.
ومنه أيضًا قولهم: إنه قد ذهب عليهم ما استعملوه من غيرهم ولهذا لا تمنع الحجة بمتواتر نقلهم كما لم يمنع ذلك في نقل الأمة. ونحن نعقب هذا بالكلام من إجماعهم من طريق الاجتهاد إن شاء الله.
فصل
قد بينا أن الإجماع من طريق النقل حجة، وأما إجماع أهل المدينة من طريق الاجتهاد فاختلف أصحابنا فيه على مذهبين:
أحدهما: أنه حجة يلزم المصير إليه.
والآخر: أنه ليس بحجة على انفراده، ولكن يرجح به اجتهاد غيرهم من أهل العلم كما يرجح سائر المذاهب المقتضية للترجيح. وهذا مذهب