للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليسكن إليها، يطوف حولها، ولم تزل باقية حتى قبض الله آدم، ثم رفعت. وهذا من طريق وهب.

وروى أنه أهبط معه بيت، فكان يطوف حوله والمؤمنون من ولده كذلك إلى زمن الغرق ثم رفعه الله، فصار إلى السماء. وهو الذي يدعي البيت المعمور، ويسمى الصراح.

وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يصلون فيه، ثم لا يعودون إليه أبدًا. والذي وقع إلي من الحديث هذا لا يتجاوز إلى قتادة إلى آخر قومه.

وجاء عن ابن عباس: إن آدم عندما أهبط إلى الأرض قال: يا رب، مالي لا أسمع صوت الملائكة وجنتهم؟ قال: خطيئتك، ولكن اذهب فابن لي بيتًا تطوف حوله كما رأيت الملائكة يصنعون حول عرشي. فأقبل آدم يتخطى حتى أتى مكة، فوضع البيت.

فقد يجوز أن يكون معنى ما قال قتادة مع أنه أهبط مع آدم بيت، أي أهبط معه مقدار البيت المعقور، طولاً وعرضًا وسمكًا. ثم قيل له: أين بيت تقدره.

ويجوز أن يكون في الأرض تختًا له، فكان خياله موضع الكعبة فبناها فيه. وأما الخيمة، فقد يجوز أن تكون أنزلت وضربت في موضع الكعبة، فلما أمر ببنائها، فبناها كانت في جوف الكعبة طمأنينة لقلب آدم، عاش، ثم رفع، فتتفق هذه الأخبار.

ثم لما كان زمان الغرق رفع البيت الذي بناه آدم، فصار البيت المعمور، ذلك الذي كان معمورًا في السماء، أي بطل أثره بالغرق، فخاض البيت المعمور ما كان في السماء.

وأما الذي كان في الأرض بحياله فإنه ضرب، ولم يزل خرابًا إلى أن أمر إبراهيم عليه السلام بتحديده. فاجتمع بما وصفنا للبيت من الفضائل الموجبة لتعظيمها، أنه بدل بخيمة من خيام الجنة كانت مضروبة. ثم أن أهله بني آدم صلوات الله عليه، وأنه أمر ببنائه ليكون له في الأرض مكان العرش للملائكة فوق السموات. ثم أنه يقدر البيت المعمور وحياله، ثم أنه رفع، وبقي ما بقي، فأراد الله تعالى تجديده، أجرى ذلك على يدي إبراهيم وإسماعيل صلوات الله عليهما، وأحيى تلك المشاعر كلها بهما، وأراهما المناسك، ولم تزل باقية من ذلك الوقت إلى الآن تشهد وتؤدي حقها من الوجه الذي أمر الله عز وجل.

ثم أن إبراهيم عليه السلام لما فرغ من بناء البيت؛ دعا فقال: {ربنا وابعث فيهم رسولاً

<<  <  ج: ص:  >  >>