بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما علمتم. وذلك على الله يسير}.
فلما كان التكذيب بالحساب كفرا، ذلك على أن الاعتراف بالحساب من الإيمان، كما أن التكذيب بالبعث لما كان من الإيمان كان الاعتراف بما كان الخلق لأجله، وهو الطاعة والعبادة والتزام ذلك وتقبله من الإيمان والله أعلم.
وإنما عددت الحساب والميزان بيعة واحدة، لأن المحاسبة تكون بالأعمال، وتميز الأقل والأكثر من الطاعة والمعصية، وإنما يكون بالوزن، فلم أر لتمييز الوزن عن الحساب وجها، فعددتها بيعة واحدة. والله أعلم.
فصل
وقال قائل من السفهاء الملبسين بالحكماء: أخبرونا عن الكرام الكاتبين أين يجلسون، وعلى ماذا يحيطون؟ وماذا يكتبون؟ وإن دخل أحد الخلاء، فهل يدخلون معه؟ وقد رويتم: لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو صورة، فإن كان هذا حقا فليربط من يريد أن لا تكتب أعماله في بيته كلبا، أو يعلق سترا فيه صورة، فيأمن بذلك من أن تنسخ أعماله ولا شيء أحب إلى الأحياء من الحياة، وأنتم تتلون:{قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم}.
فما الذي يمنع أحدكم من اقتناء الكلب في بيته، لينفر به ملك الموت عن نفسه، فيبقى في الدنيا خالدا ولا يخرج منها أبدا!
فالجواب- وبالله التوفيق- أن الملائكة لا يدخلون بيتا فيه كلب أو صورة. هم الذين يدخلون بيوت الأخيار للدعاء لهم والترتيل عليهم والاستماع إلى ذكر يجري فيه، والبيت لقلوبهم في الحال إلى يحتاجون إلى ذلك فيها، فإن هؤلاء إذا وجدوا أخذ من ذكرنا خالف ما يليق بطريقه إلى ما لا يليق بها ازور عنه، ولو وجوده يقني كلبا، وقد نهى عن اقتنائه، لم يدخلوا عليه لأن الكلب فيه شيئان: أحدهما سبع عاد إلى أن يكون