للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى محرم الحرام عام ثلاثة وأربعين ومائة وألف ابتدأ في هدم أسوار المدينة، وصرح بأنه إذا فرغ من هدم الأسوار يشرع في هدم الدور وأمر بحمل الأنقاض لفاس الجديد.

ثم لما اتصل بالمترجم عتو الروسى وطغيانه، كتب كتاباً بتوبيخه وتهديده وإيعاده قرئ على منبر القرويين، ولما تيقن أن لا ملجأ له ولا منجى مما جنت يداه فر لزاوية جبل زرهون، حيث مدفن البضعة النبوية الطرية، إدريس بن عبد الله الكامل، ولما رجع المترجم من حركته وتوجه لزيارة الضريح الإدريسى تعلق حمدون بأذياله فلم يلتفت إليه، ثم بعد ذلك أحضره بين يديه وعدد عليه ما ارتكبه من الجرائم التي لم يجد لها مدفعا، ثم أمر بتوجيهه لفاس وقتله قصاصا، فأنشد بين يديه ما أنشده بعضهم لأبي جعفر المنصور العباسى:

إنا بطاعتك الألى ... كنا نكابد ما نكابد

ونرى فنعرف بالعدا ... وة والبعاد إذا تباعد

هذا أوان وفاء ما ... سبقت به منه المواعد

فأطرق المترجم ساعة ثم قال له وهبتك لشيبتك، وأبقيتك لصبيتك، على أن لا تقرب ساحتنا، ولا تحوم حولنا، وإلا حلت بك عقوبتنا، وولى على فاس كاتبه الطَّيِّب بن حلوة، وذلك في يوم الاثنين تاسع عشر شعبان، وكان شديد الشكيمة على أولاد العرب والعلماء، ظلوما غشوما، لم يتول على فاس أتعس وأشأم منه، حتَّى سمى حجاج الوقت، يقال: إنه هو الذي أغرى المترجم على نهب زرع العرب الذي كان بخزائنهم، فأمر بحيازته، وتوجه الأشراف والعلماء للسلطان في الشفاعة فردهم خائبين، واستمر ابن حلوة على عمله من النهب والغصب والقتل والتدليس وتشويه وجه الحقيقة إلى أواخر رمضان وقيل شعبان، فنكبه المترجم وعزله وغربه إلى مكناسة الزيتون، فلم يزل بها في شبه عقال إلى أن لقى ربه بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>