وفى فاتح محرم عام اثنين وأربعين كان قتال عظيم ببابى الجيسة والمسافريين، مات فيه من أهل فاس نحو الثلاثين رجلاً، واستؤنف القتال من الغد ومات فيه خلق، وارتفعت الأسعار وبلغ وسق القمح ثلاثين مثقالًا، وزادت نيران الفتن توقدا، وتكاثر الهرج والمرج، وجعلت المحال السلطانية ترمى القنابل المدمرة على المدينة.
وفى ثالث صفر وقعت معركة أول النهار، ولما كان العشى اتفق أهل فاس على الهجوم على المحال السلطانية من سائر الجهات، فخرج اللمطيون من باب الجيسة للمحلة التي بوادى المالح وكان قائدها موسى الجرارى فوثبوا عليها، وفر أهلها واستولى أهل فاس على جميع ما فيها، وكان من جملة ما غنموا مدفعان.
وخرج الأندلسيون وأهل العدوة من باب المسافريين واستولوا على جميع ما كان مدخرا بالسيد أبي جيدة حيث كان الحصن المنيع لتلك المحال، وساقوا من وجدوه من الجند هنالك إلى الباب وقتلوهم شر قتلة.
وفى التاسع عشر من الشهر انضم الجيش السلطانى بعضه إلى بعض، وكان المترجم حاضرا بنفسه، ووقع قتال عظيم بين الفريقين انجلى بانهزام المحال السلطانية، ولم يمت من الجيش الفاسى غير ستة.
ومن الغد فقد الزرع بالمدينة، واشتد الهول، وعظم المصاب، ووقع التنازع بين العامة والرؤساء، وضعفت قوى المقاتلة عن المقاومة، ولم يكن لهم بد من الإذعان وتسليم ما طولبوا بتسليمه للجناب السلطانى.
وبسبب ذلك تم الصلح على يد القائد محمد السلوى بالضريح الإدريسى، وذلك يوم الثلاثاء عاشر ربيع الأول عند صلاة الظهر.