قلت: هذا مخالف للحقيقة، وبعيد عن سوى الطريقة، أما تأنق أهل المشرق في بناء المساجد في ينكر، وأما مبالغتهم في تعظيمها فإن عنى بتأنق البناء فهو ما تقدم وإن عنى تعظيم الحرمات الشرعية فيها الذى نسب ضده لأهل المغرب فهو من مجازفاته المعهودة منه رحمه الله، فإن المقرر والمعهود عند الثقات وأفاضل الرحالين عكسه، وقد قدمنا في الكلام على البربر وأهل المغرب كلام الشيخ زروق في قواعده "الناص" على أن الغيرة الدينية عزيزة في المشرق ولا توجد إلا في أهل الخصوصية من أهله.
وقد نبه أبو سالم العياشى في "رحلته" على ما يعضد ذلك من تهاون المشرقيين بحرمات المساجد، وإذا لم تكن حرمات المساجد قائمة وبأنواع التعبدات التي بنيت لها آهلة، فأى ثمرة للمبالغة في تزويقها وتنميقها! هذا لو كان ذلك التزويق مأذونا فيه شرعا، فكيف وقد أباه الكثير من السلف، وكراهته هى مشهور مذهب أهل المغرب وهو مذهب مالك.
وفى صحيح البخارى أن سيدنا عمر بن الخطاب أمر ببناء المسجد وقال: أُكِنُّ الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس. وقال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا، وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى كنائسهم.
قال القسطلانى: فيه كراهة زخرفة المساجد لاشتغال قلب المصلى بذلك أو لصرف المال في غير وجهه. اهـ.
وقال الخطيب ابن مرزوق في "شرح العمدة": وقعت المسألة بمجلس أمير المؤمنين أبى الحسن المرينى في المسجد الجامع الذى أنشأه بظاهر تلمسان بضريح سيدى أبى مدين، إذ زوقت قبلته وذهبت، فأفتى أبو زيد وأبو موسى ابنا الإمام ومن حضر من أئمة المغرب بزواله وأبيت لهم ذلك، قال: والحق منعه ابتداء وأما