للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيف يتوهم جبنه وخوفه ذو بصيرة والبربر الذين احتاجت العاصمة إلى كل هذا التحصين من أجلهم، لم يستقر لمحصنها أبي النصر مولانا إسماعيل قرار حتى نهض إليهم وأوقع بهم الإيقاعات التي تحدث التاريخ بها حتى استأصل قوتهم وسلبهم السلاح والكراع وصيرهم عملة لبيت المال ولأهل العاصمة يعيشون في مهنة ذلك لا غير، حتى كانت المرأة تخرج والذمي من وجدة إلى وادي نون ولا يوجد من يسألهما من أين وإلى أين، ولم يبق بالمغرب سارق ولا قاطع ومن ظهر عليه شيء وهرب يؤخذ في كل قبيلة مر بها وفي كل قرية، وكلما بات مجهول الحال بحلة أو قرية يثقف بها إلى تبيين براءته، وإن تركوه فإنهم يؤاخذون به ويدون ما سرقه واقترفه من الجرام كالقتل وغيره كما قاله الزياني وغيره، أم كيف يرمي إلى ذلك فكر ذي لب وهو يرى ويسمع ما حفظه التاريخ من أحوال عواصم الدول الكبار من المبالغة في التحصين، حتى إن الآستانة عاصمة تركيا قد أحاط بها بنوها الأولون من الروم قبل حلول تركيا بها جدران ثلاثة عظيمة متوالية في كل جهاتها الثلاثة.

وأما الرابعة فالبحر متصل بها وحتى إن عاصمة مدينة دهلي أعظم مدن الهند بل مدن الإِسلام كلها بالمشرق، سورها المحيط بها لا يوجد له نظير.

قال ابن بطوطة وغيره: عرضه أحد عشر ذراعا ويمشى في داخل السور الفرسان والرجل من أول المدينة إلى آخرها قال: وأسفله مبني بالحجارة وأعلاه بالآجر وأبراجه كثيرة متقاربة، قال وهي من بناء الكفار وحتى إن تَدْمُر -بفتح التاء وسكون الدال وضم الميم- إحدى مدن الشام الشهيرة التي بلغت من التوثيق وشدة التحصين ما نسبت به إلى البناء السليماني بمباشرة الجن والشياطين.

وفي توصيف بنائها قال في "معجم البلدان": هي من عجائب الأبنية، موضوعة على العمد الرخام، زعم قوم أنها مما بنته الجن لسيدنا سليمان عليه السلام، ونعم الشاهد على ذلك قول النابغة الذبياني:

<<  <  ج: ص:  >  >>