للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك الصهريج يرمي لتلك الغاية فقط، بل لغرض أشرف وأسمى وأهم لا يعقله إلا المهرة السياسيون العالمون.

وتلك الغاية هي بقاء سكان المدينة في اطمئنان وأمان في حالتي المسلم والحرب مع عتاة البربر، إذ المياه الداخلة للمدينة إنما تأتى من بحبوحة القبائل. البربرية، وقد حفظ التاريخ ما كان لهم من التمرد وإباية الامتثال للأوامر المخزنية وعدم تلقيها بالسمع والطاعة والنظر لمن عداهم، وبالأخص سكان الحواضر بعين الصغار والاحتقار، وأقل ما يتوصلون به لأذاهم صرف مواد المياه عنهم والماء ضروري في حياة عموم الإنسان بل كل شيء حي، ولذلك يرى كل كيس متأمل لا تعزب عن علمه مقاصد العقلاء ذوي الآراء السديدة والأفكار المصيبة، أن مطمح نظر هذا السلطان العظيم الشأن فيما يوطد الأمن ويجلب الراحة لرعيته عموما ولمن بعاصمة ملكه من السكان خصوصا, ولذلك تراه بالغ في تحصين هذه القلعة فأحاطها بأسوار عديدة لا يخلو سور منها عن سقائل وأبراج مشحونة بالعدة والعدد، وادخر بها من الأقوات والذخائر والقوة الحربية ما تؤمن معه كل غائلة وتكسر به شوكة كل عاد باغ ومارق عن الطاعة ولزوم الجماعة، ولم يزل يبالغ في التحصين حتى صير عاصمة ملكه حاضرة في بادية وبادية في حاضرة بحيث يمكن لأهلها الاستغناء عن كل ما يجلب إليها من الخارج من زرع وضرع، فلهم من المزارع بداخل سورها ما هو فوق الكفاية لأنواع الحراثة ورعي الماشية والجدران الحصينة وراء الكل ومحيطة بالجميع، والأبواب ذات الأبراج والسقائل المدهشة الحصينة مغلقة في وجوه البغاة ذوي الشقاق.

ولم يكن ذلك لخوف منه ولا لجبن فيه كما توهمه الجهلة الحاسدون ومن في قلبه مرض من الملحدين والقاصرين، إذ قد نص التاريخ لنا ما كان مجبولا عليه من الشجاعة والإقدام وقوة الجأش، فقد قال مؤرخ الدولة العلوية أبو القاسم الزياني: وبالشجاعة أدرك السلطان إسماعيل ما أدرك وبلغ ما بلغ رحمه الله،

<<  <  ج: ص:  >  >>