للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بشيء) أي من الطاعات (أحب إليّ مما افترضته عليه) أي من أدائه ودخل تحت هذا اللفظ جميع فرائض العين والكفاية والفرائض الظاهرة فعلاً كالصلاة والزكاة وغيرها من العبادات وتركاً كالزنى والقتل وغيرهم من المحرمات والباطنة كالعلم بالله والحب له والتوكل عليه والخوف منه قال الطوفي الأمر بالفرائض جازم ويقع بتركها المعاقبة بخلاف النفل في الأمرين أي فإن الأمر به غير جازم ولا تقع المعاقبة بتركه وإن اشترك مع الفرائض في تحصيل الثواب فكانت الفرائض أكمل فلذا كانت أحب إلى الله تعالى وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الأمر واحترام الآمر به وتعظيمه بالانقياد إليه وإظهار عظمة الربوبية وذل العبودية فكان التقرب بذلك أفضل (وما يزال عبدي يتقرب) أي يتحبب (إلي بالنوافل) أي التطوع من جميع صنوف العبادات (حتى أحبه) بضم أوله لأن الذي يؤدي الفرض قد يفعله خوفاً من العقوبة ومؤدى النوافل لا يفعله إلا إيثاراً للخدمة فلذلك جوزى بالمحبة التي هي غاية مطلوب من يتقرب بخدمته قال الإمام أبو القاسم القشيري قرب العبد من ربه يقع أولاً بإيمانه ثم بإحسانه وقرب العبد بما يخصه به في الدنيا من عرفانه وفي الآخرة من رضوانه وفيما بين ذلك من وجود لطفه وامتنانه ولا يتم قرب العبد من الحق إلا ببعده من الخلق قال وقرب الرب بالعلم والقدرة عام للناس وباللطف والنصرة خاص بالخواص وبالتأنيس خاص بالأولياء وقد استشكل بما تقدم أولاً أن الفرائض أحب العبادات المتقرّب بها إلى الله تعالى فكيف لا تنتج المحبة والجواب أن المراد بالنوافل النوافل الواقعة ممن أدى الفرائض لا ممن أخل كما قال بعض الأكابر من شغله الفرض عن النفل فهو معذور ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور (فإذا أحببته لتقربه إليّ بما ذكر (كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها) وقد استشكل كيف يكون الباري جل وعلا سمع العبد وبصره إلى آخره وأجيب بأوجه أحدها أنه ورد على سبيل التمثيل والمعنى كنت سمعه وبصره في إيثاره أمري فهو يحب طاعتي ويؤثر خدمتي ما يحب هذه الجوارح ثانيها أن المعنى أن كليته مشغولة بي فلا يصغي بسمعه إلا إلى ما يرضيني ولا يرى ببصره إلا ما أمرته به ولا يبطش بيده إلا فيما يحل له ولا يسعى برجله إلا في طاعتي ثالثها أن المعنى اجعل له مقاصده كأن يرى لها بسمعه وبصره إلخ رابعها كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله في المعاونة على عدوه خامسها قال الفاكهاني وسبقه إلى معناه ابن هبيرة هو فيما يظهر لي أنه على حذف مضاف والتقدير كنت حافظ سمعه الذي يسمعه به فلا يسمع إلا ما يحل سماعه وحافظ بصره كذلك إلخ وقال الفاكهاني يحتمل معنى آخر أدق من هذا الذي قبله وهو أن يكون سمعه بمعنى مسموعه لأن المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثلاً فلأن أملي بمعنى مأمولي والمعنى أنه لا يسمع إلا ذكري ولا يتلذذ إلا بتلاوة كتابي ولا يأنس

<<  <  ج: ص:  >  >>