وقال القرطبي: قوله (وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم) هذا الحديث مقصوده إفادة التَّنبيه على ما وقع للنصارى من الغلط في عيسى وأمه عليهما السَّلام والتحذير عن ذلك بأن عيسى عبد الله لا إله ولا ولد، وأمه أمة الله تعالى ومملوكة له، لا زوجة، تعالى الله عما يقول الجاهلون علوًا كبيرًا.
ويستفاد من هذا ما يلقنه النصراني إذا أسلم، وقد اختلف في وصف عيسى بكونه كلمة، فقيل لأنَّه تكوَّن بكلمة كن من غير أب، وقيل لأنَّ الملك جاء أمه بكلمة البشارة به عن الله تعالى، وهذان القولان أشبه ما قيل في ذلك، ومعنى ألقاها أي أعلمها بها، يقال: ألقيت عليك كلمة أي أعلمتك بها، وسُمي عيسى روح الله لأنَّه حدث عن نفخة الملك وإضافته إلى الله تعالى لأنَّ ذلك النفخ كان من أمره وقدره.
وسُمي النفخ روحًا لأنه ريح يخرج من الروح، قاله المكيون، وقيل: سُمي عيسى بذلك لأنه روى لمن اتبعه، وقيل لأنَّه تعالى خلق فيه الروح من غير واسطة أبٍ كما قال في آدم {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}.
(و) أشهد (أن الجنَّة) دار الكرامة (حق) أي أمر ثابت موجود مخلوق (و) أشهد (أن النَّار حق) أي ثابت موجود مخلوق، قال السنوسي: ولعل فائدة ذكر الجنَّة والنار أيضًا التخلص من عقائد الدهرية ومن يقول بنفي المعاد البدني لأنَّه قد قال به بعض من يُعد نفسه من المسلمين وليس منهم، وعطف جملة قوله (وأن عيسى) إلخ شبه عطف خاص على عام اعتناء بشأنها لما عرض فيها من الجهالات ولأن استحضار الجزئيات في ضمن كلياتها، واللوازم الخفية عند حضور ملزوماتها مما يحتاج إلى زيادة تنبيه ودقة نظر، وإلا فذكر كلمتي الشهادة مع تحقُّق معناهما على ما يجب يتضمن جميع ذلك.
وقوله (أدخله الله) سبحانه وتعالى جواب من الشّرطيّة في قوله (من قال) أي أدخل الله سبحانه وتعالى ذلك القائل دار الكرامة (من أي أبواب الجنَّة شاء) أي من إحدى الأبواب الثمانية في الجنَّة شاء الدخول منها تكرمة له بسبب هذا الذكر؛ أي يخير في الدخول من أيها شاء تكرمة له، ولكنه يدخل من الباب الذي سبق في علمه تعالى دخوله منه.
قال الأبي: ولا يعارض هذا الحديث حديث إن في الجنَّة بابا يقال له باب الريان