كلمةً لأنَّه كان بكلمة بن فحسب من غير أب بخلاف غيره من بني آدم، قال الهروي: سُمي كلمة لأنَّه كان وحصل عن الكلمة فسُمي بها كما يقال للمطر رحمة لأنَّه حصل برحمة الله وإحسانه على عباده قال الهروي وقوله تعالى (وروح منه) أي رحمة منه، قال: وقال ابن عرفة أي ليس من أب إنَّما نفخ في أمه الروح، وقال غيره (وروح منه) أي مخلوقة من عنده وعلى هذا يكون إضافتها إليه إضافة تشريف كناقة الله وبيت الله، وإلا فالعالمُ له سبحانه وتعالى ومِن عندِهِ والله أعلم انتهى.
وقد بسطنا الكلام في هذا المقام في تفسيرنا حدائق الروح والريحان فراجعه إن أردت الخوض فيه، قال الأبي: قوله في حديث عُبادة بن الصَّامت (من قال أشهد أن لا إله إلَّا الله) إلخ لا يشترط في داخل الإسلام المنطق بلفظة أشهد ولا التعبير بالنفي والإثبات، فلو قال الله واحد ومحمد رسول الله كفى، وأمَّا كون المنطق بذلك شرطًا في حصول الثواب المذكور فمحتمل اهـ.
وقوله (أن عيسى) إلى آخره قال القاضي عياض: سُمي عيسى كلمة لأنَّه كان عن كلمة الله تعالى ثم اختلف فيها، فقيل هي كلمة كُن، وقيل هي التي بشر بها الملك مريم، فمعنى ألقى على هذا الأخير أعلمها، وسُمي روح الله لأنَّه حدث عن نفخ جبريل عليه السَّلام في درع أمه من أمر الله تعالى فنسبه الله إليه وسُمي الرِّيح روحًا لأنه ريح يخرج عن الروح، وقيل المراد بكونه روحًا أنَّه حياة، وقيل رحمة، وقيل برهان لمن اتبعه، وقيل لأنَّه نُفخت فيه الروح دون أبٍ كما قال في آدم عليه السَّلام {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}.
قال الأبي: قيل إن ذكر "عبده ورسوله" تعريض بالنصارى فيما ادعت من البنوة والتثليث وباليهود فيما قذفت به مريم عليها السَّلام وأنكرت من رسالته.
وسمع بعض عظماء النصارى قارئًا يقرأ {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} فقال: هذا دين النصارى، يعني هذا يدل على أنَّه بعض منه تعالى، فأجابه الحسن بن علي بن واقد صاحب كتاب النظائر بأن الله تعالى يقول {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} فلو أريد بروح منه أنَّه بعضه كان ما في السموات وما في الأرض بعضًا منه، وإنَّما يريد بروح منه أنَّه من إيجاده وخلقه فأسلم النصراني اهـ.