لا يدخله إلَّا الصائمون لأنَّه يقتضي أن هذا القائل لو أراد الدخول منه لم يمكن لأنَّه لا يلزم من التخيير الدخول فإنَّه قد يخير ولا يخلق الله تعالى عنده إيثار الدخول منه انتهى.
قال القرطبي: قوله (أدخله الله من أي أبواب الجنَّة شاء) ظاهر هذا يقتضي أن قول هذه الكلمات يقتضي دخول الجنَّة والتخيير في أبوابها وذلك بخلاف ما ظهر من حديث أبي هريرة الآتي في كتاب الزكاة فإن فيه ما يقتضي أن كل من كان من أهل الجنَّة إنَّما يدخل من الباب المعين للعمل الذي كان يعمله غالبًا الداخل فإنَّه قال فيه: فمن كان من أهل الصَّلاة دُعي من باب الصَّلاة ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام وهكذا الجهاد، والجمع بين الظاهرين أن كل من يدخل الجنَّة مخير في الدخول من أي باب شاء غير أنَّه إذا عُرض عليه الأفضل في حقه دخل منه مختارًا للدخول منه من غير جبر عليه ولا منع له من الدخول من غيره ولذلك قال أبو بكر رضي الله عنه ما على من يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(تنبيه): قالوا: والحكمة في كون أبواب الجنَّة ثمانية أنها على عدد خصال الإسلام المشهورة المذكورة في حديث جبريل عليه السَّلام ويزاد عليه الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمن أكثر مما يناسب واحدًا منها كان من أهل بابه، ومن أكثر مما يناسب الجميع كان من أهل الأبواب الثمانية، والأبواب الثمانية طرقٌ للجنات الثمانية، كل باب طريق لجنة منها كما أن أبواب النَّار السبعة طرق لطبقاتها السبع، (وحكمة) كون أبواب النَّار سبعة على ما قال بعضهم أنها بعدد الجوارح التي يعصي المكلف بها وهي الفم والأنف والعين والأذن واليد والرجل والفرج وباقي البدن يرجع إلى هذه وهي الأصل أعاذنا الله تعالى بفضله من جميعها وجعلنا ممن يكرم بالدعاء من أبواب الجنَّة كلها بلا سبق محنة ومناقشة.
ووجه التنعم بأبواب الجنَّة المدخول منها: إما التنعم بالجنات التي كل باب طريق لواحدة منها أو لأنَّه أُعد في كل باب من أنواع النعيم والمسرات ما لم يُعد في الآخر أو لإظهار الاعتناء برفع الحجر عمن مُكن من الدخول من جميعها أو لجميع ما ذكر وهو أظهر والله تعالى أعلم. وهذا الحديث أعني حديث عبادة بن الصَّامت مما انفرد الإمام