التروية أخذًا بظاهر هذا الحديث، واستحب بعضهم أن يكون ذلك أول هلال ذي الحجة ليلحقهم من الشعث إلى وقت الحج ما لحق غيرهم والقولان عن مالك اهـ من المفهم (وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى منى (فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر) يعني أنه صلى كل صلاة في وقتها غير مجموعة كما قد توهمه بعضهم ممن لا يعرف، وإنما ذكر عدد الصلوات الخمس هنا ليعلم الوقت الَّذي وصل فيه إلى منى والوقت الَّذي: خرج فيه منها إلى عرفة، ولذلك قال مالك باستحباب دخوله إلى منى وخروجه منها في ذينك الوقتين المذكورين، وقد استحب جميع العلماء الخروج إلى منى يوم التروية والمبيت بها". والغدو إلى عرفة، ولا حرج في ترك ذلك والخروج من مكة إلى عرفة ولا دم اهـ من المفهم، قال النواوي: وفيه ندب التوجه إلى منى يوم التروية، وكره مالك التقدم إليها قبله، وقال الشافعي: إنه خلاف السنة، وفيه أنَّه يبيت في هذه الليلة بمنى وهي ليلة التاسع من ذي الحجة وهذا المبيت سنة ليس بركن ولا واجب، فلو تركه فلا دم عليه بالإجماع اهـ، وقال بعضهم: والسر في نزول منى أنها كانت سوقًا عظيمًا من أسواق الجاهلية مثل عكاظ والمحنة وذي المجاز وغيرها وإنما اصطلحوا عليه لأن الحج يجمع أقوامًا كثيرةً من أقطار متباعدة ولا أحسن للتجارة ولا أوفق بها من أن يكون موسمها عند هذا الاجتماع ولأن مكة تضيق عن تلك الجنود المجندة فلو لم يصطلح حاضرهم وباديهم وخاملهم، ونبههم على النزول في فضاء مثل منى لحرجوا وإن اختص بعضهم بالنزول لوجدوا في أنفسهم ولما جرت العادة بنزولها اقتضى ديدن العرب، وحميتهم أن يجتهد كل حي في التفاخر والتكاثر وذكر مآثر الآباء وإراءة جلدهم وكثرة أعوانهم ليرى ذلك الأقاصي والأداني ويسد به الذكر في الأقطار، وكان للإسلام حاجة إلى اجتماع مثله يظهر به شوكة المسلمين وعدَّتهم وعُدَّتهم ليظهر دين الله ويبعد صيته ويغلب على كل قطر من الأقطار فأبقاه النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليه وندب إليه ونسخ التفاخر وذكر الآباء وأبدله بذكر الله بمنزلة ما أبقى من ضيافاتهم وولائمهم وليمة النِّكَاح وعقيقة المولود لما رأى فيها من فوائد جليلة في تدبير المنازل اهـ فتح الملهم.
(ثم مكث) أي جلس وتأخر زمنًا (قليلًا) في منى (حتَّى طلعت الشمس) على ثبير،