الرباعي (فأرسل) رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيًا (إلى كعب بن مالك) الأنصاري فجاء فقال له اهجهم فهجاهم فلم يرض يشف النبي صلَّى الله عليه وسلم هجاؤه إياهم (ثم أرسل) ثالثًا (إلى حسان بن ثابت) الأنصاري فجاء (فلما دخل) حسان (عليه) أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد.
(قال حسان) لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن معه من الصحابة (قد آن) أي قد حان وقرب وظهر (لكم) الآن (أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب) جنبيه (بذنبه) لاغتياظه وغضبه قال العلماء المراد بذنبه هنا لسانه شبه حسان نفسه بالأسد في انتقامه وبطشه إذا اغتاظ وحينئذ يضرب بذنبه جنبيه كما فعل حسان بلسانه حين أدلعه فجعل يحرِّكه فشبه نفسه بالأسد ولسانه بذنبه اهـ نووي.
قال القرطبي:(وقول حسان قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه) هذا القولُ منه مدح لنفسه شبَّه نفسه بالأسد إذا غضب فحمي وذلك أنه غضب لهجو قريش للنبي صلى الله عليه وسلم واحتدَّ لذلك واستحضر في ذهنه هجو قريش فتصوره وأحس أنه قد أعين على ذلك ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فقال تلك الكلمات مظهرًا لنعمة الله تعالى عليه وأنه قد أجيب فيه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وليفخر بمعونة الله تعالى له على ذلك وتنزل هذا الافتخارُ في هذا الموطن منزلةَ افتخار الأبطال في حال القتال فإنهم يمدحون أنفسهم ويذكرون مآثرهم ومناقبهم في تلك الحال نظمًا ونثرًا وذلك يدل على ثبوت الجأش وشجاعة النفس وقوة العقل والصبر وإظهار كل ذلك للعدو إغلاظ عليهم وإرهاب لهم وكل هذا الافتخار يوصل إلى رضا الغفار فلا عتب ولا إنكار اهـ من المفهم.
(ثم أدلع) حسان (لسانه) أي أخرجه عن الشفتين يقال دلع لسانه وأدلعه ودلع اللسان بنفسه أخرجه وحركه كأنه بعده للإنشاد (فجعل يحرّكه فقال والذي بعثك) وأرسلك (بالحق لأفرينّهم بلساني فري الأديم) أي لأمزقنهم بالهجو كما يمزق الجلد بعد الدباغ فإنه يقطع خفافًا ونعالًا وغير ذلك وتشبيه حسان نفسه بالأسد الضارب بذنبه