(رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه) أي يمسح التراب (عنه) أي عن علي (و) الحال أنه صلى الله عليه وسلم (يقول) له: (قم) يا (أبا التراب) من فوق التراب (قم أبا التراب) بالتكرار مرتين، فهذا سبب تسمية علي بأبي التراب ففي قوله:(قم أبا التراب) ممازحة المغضب بما لا يزيد في غضبه بل يجعل به تأنيسه، وفيه التكنية بغير الولد وفيه مدارة الصهر وتسكينه من غضبه، وقد روى ابن إسحاق من طريقه وأحمد من حديث عمار بن ياسر قال: نمت أنا وعلي في غزوة العسيرة في نخل فما أفقنا إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم يُحرّكنا برجله يقول لعلي: "قم يا أبا التراب" لما يرى عليه من التراب، وهذا إن ثبت حُمل على أنه خاطبه بذلك في هذه الواقعة الأخرى اهـ من فتح الباري [٧/ ٧٢].
قال العيني: قوله صلى الله عليه وسلم: (قم أبا التراب) .. إلخ فيه إباحة النوم في المسجد لغير الفقراء ولغير الغريب، وكذا القيلولة في المسجد فإن عليًّا لم يقل عند فاطمة رضي الله تعالى عنهما، وفيه أيضًا الممازحة للغاضب بالتكنية له بغير كنيته إذا كان ذلك لا يغضبه بل يؤنسه اهـ منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الاستئذان باب القائلة في المسجد [٦٢٨٠].
قوله:(فجاءه صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع) إقراره على ذلك دليل على جواز النوم في المسجد للمتأهل الذي له منزل وبه قال بعض أهل العلم وكرهه مالك من غير ضرورة وأجازه للغرباء لأنهم في حاجة وضرورة، وقد تقدم ذلك في كتاب الصلاة، ومسح النبي صلى الله عليه وسلم جنب علي من التراب وهو يقول:"قم أبا التراب قم أبا التراب" دليل على محبته له وشفقته عليه ولطفه به ولذلك كان ذلك الاسم أحب إلى علي رضي الله عنه من كل ما يُدعى به.
فيا عجبًا من بني أمية كيف صيّروا الفضائل رذائل والمناقب معايب لكن غلبة الأهواء تعوض الظلمة من الضياء، وقد ذكر أبو عمر ابن عبد البر بإسناده إلى ضرار الصدائي وقال له معاوية: صف لي عليًّا فقال: اعفني يا أمير المؤمنين، قال: صفته أما إذا ولا بد من وصفه، فكان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلًا ويحكم عدلًا،