وتبقى رواية ابن المغفل كما سيأتي -إن شاء الله-، وهذا الجمع رجَّحه النووي كما سيأتي وهو قول الجمهور، وقال بظاهر حديث ابن مغفل أحمد في رواية حربٍ، والحسنُ البصري، وقد احتج من خالفهم أو بعضهم بأن حديث أبي هريرة أرجح، ورُدّ بأنه لا يصار إلى الترجيح إلا عند تعذر الجمع وهو هنا ممكن ولأن رواية الثامنة تدخل فيها السابعة فهي مشتملة على السابعة وزيادة.
وهذه الزيادة زيادة ثقة يجب قبولها، وأيضًا لو سير إلى الترجيح لكان عدم القول بالتتريب أرجح، لأن رواية أبي هريرة بدونه أرجح وقد تقدم ما يدل على ذلك ولكنهم قالوا به على سبيل قبول زيادة الثقة. وأما كونه في الأولى أو الثامنة أو السابعة فعلى ما ورد في الحديث من رواية "أو" وَكَونُها مَرْفوعة فهي تدل على التخيير في محل التراب من الغسلات ويكون تعيين الأولى أو السابعة ليس فيه تعارض، ويدل على هذا رواية "إحداهن" فهي تُقوِّي القول بالتخيير ويرتفع الإِشكال بين الروايتين، لكن يبقى في رواية ابن مغفل - رضي الله عنه - فإن ظاهرها أن الغسلات ثمان فيبقى الإِشكال بينها وبين السبع في الروايات الأخر، وقد ذكر النووي وابن دقيق العيد: أنه يجمع بينهما باعتبار أن الغسلة التي فيها التراب بغسلتين، وتنزيل جعل التراب منزلة غسلة فيكون بهذا الاعتبار عدد السبع من الماء والثامنة باعتبار التراب. وقد يُرجِّحون كون التراب في الأولى لأنه يكون الغسل بعدها فيظن منها بخلاف كونها في الأخيرة فيحتاج إلى زيادة الغسل لإِزالتها، وهذا الجواب والترجيح حسن لكن ظاهر الحديث لا يساعد عليه لأنه يدل على أن غسلة التراب إما مع غسلة ثامنة بالماء والتراب فيه أو أن العدد من الماء سبع وبعده التراب باعتبار أنه على السابعة من الماء فكأنه زاد بعدها لأن لفظ الثامنة إنما يصدق حقيقة حسب ظاهر الرواية بغسلة مائية ثامنة أو يتجوَّز فيه باعتبار التراب على أن غسلات الماء حصل التراب في السابعة منها فزاد على السبع من الماء، وهذا يُرجِّح رواية أبي هريرة "السابعة بالتراب" أي مصْحوبة به وقد قال بظاهر الحديث الحسن البصري وأحمد في رواية حرب عنه وتقدم أنهم ألزموا الشافعية القول به ولكنهم لم يقولوا به كما تقدم. والله أعلم بالصواب.