ولغ الكلب في الإِناء غسل سبع مرات أولاهن أو إحداهن" قُلتُ: وأخرج الدارقطني من رواية الجارود بن يزيد وهو متروك بلفظ: "أولاهن أو إحداهن". وأخرج أبو داود حديث أبي هريرة من رواية موسى بن إسماعيل: حدثنا أبان حدثنا قتادة أن محمَّد بن سيرين حدثه عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ولغ الكلب في الإِناء فاغسلوه سبع مرات الثامنة بالتراب" وتقدم الكلام على هذه الرواية وترجيح الجمع بها، أي أن الأولى أن يكون المراد وجود التراب في إحدى الغسلات لا بعينها.
فلذلك اختلف العلماء، فمذهب مالك أن غسل الإِناء من ولوغ الكلب ليس فيه تُراب لأنه لم يرو ذلك في الحديث عنده، فلم يقل هو ولا أتباعه بالتتريب. قال ابن عبد البر في الاستذكار: "قد روى هذا الحديث عن أبي هريرة جماعة منهم الأعرج ثم ذكر تسعة قال لم يذكروا التراب في أول الغسلات ولا في آخرها" قال البيهقي: ذكر التراب في هذا الحديث لم يروه ثقة عن أبي هريرة غير ابن سيرين. وقد ذكر ابن حجر أنه رُوِيَ من طرق أخرى وأعلَّها كلها. قلت: وهذا لا يقدح في صحتها فإنها ثبتت من طريق صحيحة وسبيلها سبيل زيادة العدل وهي غير مخالفة فيجب قبولها، ولهذا قال القرافي:(وصحت بها الأحاديث فالعجب منهم كيف لم يقولوا بها) اهـ. قُلت: وقد احتج بعضهم لعدم القول بها بأن الروايات بها مضطربة أي في محل التراب، وأجيب: بأن اختلاف الروايات في محل التراب إذا حمل على التخيير أو أن المراد حصول التراب في إحدى الغسلات لم يبق وجه لتعليل الخبر به، أي بالاضطراب.
وقالت الحنفية أيضًا والثوري والليث بن سعد: لا يشترط التراب بناء على أن غسل الإِناء يطهره فلا يحتاج إلى أكثر من الغسل حتى تزول النجاسة. وقال بالتتريب جمهور الفقهاء غير هؤلاء إلا أنهم اختلفوا في محله لاختلاف الروايات في ذلك، فإن مُقتضى رواية مسلم عن أبي هريرة السابقة أنها في الأولى ومثلها لأحمد. والروايات الأخر تقتضي أحد أمرين إما الشك في محلها، وإما التخيير، وبعضها صريح في التخيير لكنه ضعيف كما قدمنا فلهذا ذهب جماعة إلى أنها الأولى، وجماعة إلى التخيير، وقالوا إن الغرض حصول غسلة من الغسلات فيها تراب وهذا قد يحصل به الجمع بين هذه الروايات