قلتُ: وبشر حافظ ثقة مأمون ثبت؛ رماه بعضهم بقول جهم وهو منه براء، فالعجب للمناوى يُعلُّ الحديث به في "الفيض" [٢/ ٢٨٦]، ويقول: "فيه بشر بن السرى، تُكُلِّم فيه من قِبَل تجهمه" .. قلتُ: نعم: تُكُلِّم فيه بذلك، وما كل من تُكُلِّم فيه بشئ؛ يثبت عليه بمجرد الكلام، وبشر قد بدرت منه هفوة ظن بعضهم منها أنه يتجهم، ومع ذلك. فقد تاب الرجل واعتذر مما صدر منه، وقد شاهده ابن معين وهو مستقبل الكعبة يدعو على قوم يرمونه برأى جهم، ... كما نقله عنه الحافظ في "تهذيبه" [١/ ٤٥٠]، ونقل عنه أيضا أنه كان يقول: (معاذ الله أن أكون جهميًا، وهو مصدق في هذا، وقد كان واعظًا خاشعًا من الصالحين - يرحمه الله - فيا سوء حال المناوى حين يعل الحديث بهذا الرجل الفاضل، ثم يغفل عن علته الحقيقية، وهى قول الحافظ مغلطاى البكجرى في "شرح سنن ابن ماجه" [١/ ١٦٦٨]، بعد أن عزا الحديث لابن عدى وحده: "تفرد به مصعب بن ثابت، وهو ضعيف". وقال البوصيرى في "الإتحاف" [٣/ ١١٦]، بعد أن ساقه من طريق المؤلف به .. : "هذا إسناد ضيعف؛ لضعف مصعب بن ثابت" أما صاحبه الهيثمى فإنه قال في "المجمع" [٤/ ١٧٥]: "رواه أبو يعلى، وفيه مصعب بن ثابت وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة". قلتُ: قد توقف ابن حبان عن توثيقه؛ فإنه لما ذكره في "الثقات" [٧/ ٤٧٨]، قال: "وقد أدخلته في "الضعفاء"، وهو ممن استخرت الله فيه" وقد ترجمه في "المجروحين" [٣/ ٢٨ - ٢٩]، وقال: "منكر الحديث، ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير؛ فلما كثر ذلك منه استحق مجانبة حديثه". وقوله الثاني هو المتبع؛ لكون جميع النقاد على تضعيف مصعب؛ ضعفه أحمد وأبو حاتم وابن معين والدارقطنى وابن سعد وأبو زرعة وغيرهم. وساق له ابن عدى هذا الحديث في ترجمته من "الكامل" وقال الذهبى في "الكاشف": "لين لغلطه" وقال الحافظ في "التقريب": "لين الحديث، وكان عابدًا". قلتُ: فلم تجده عبادته وزهده في تمشية حاله، كما لم ينفع فقه أبى حنيفة وابن أبى ليلى وشريك القاضى وأضرابهم أن كانوا ضعفاء في الرواية، فالإسناد منكر من هذا الطريق، =