وبالجملة: فهذا الحديث منكر من هذا الطريق، لكن جنح الإمام إلى تقويته بما لا ينهض ولا يكاد، فقال في "الصحيحة" [٥/ ٥٩٥]، بعد ما ضعَّف سنده: "قلتُ: والحديث مع ضعف سنده [كذا قال، والصواب أن يقول: (مع نكارة سنده،) كما عرفتَ] فهو ثابت المتن عندى، فإن شطره الأول يشهد له آيات كثيرة في القرآن الكريم، كقوله: {لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الروم: ٦]، وقوله: {وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (١٦)} ... ". قلتُ: هذا أسلوب مبتكر في تقوية الأحاديث المنكرة والتالفة الأسانيد، وليس للإمام سلف في هذا قط، إنما سلفه في تصحيح معنى الحديث وإن كان سنده موضوعًا، وكم في الموضوعات والمناكير من متون حقٍّ عندنا وإن كانت أسانيدها كالعدم؟! هذا حديث (طلب العلم فريضة على كل مسلم) ورد من طرق لا يصح منها شئ قط، بل كلها مناكير وغرائب على التحقيق، راجع الكلام عليه في الحديث [رقم ٢٨٣٧، ٢٩٠٣]، والآتى [برقم ٤٠٣٥]. ومع ضعف الحديث إلا أن معناه صحيح ثابت ما يشك في ذلك أحد من كون كل أمر يلزم المسلم فعله أو تَرْكُه فواجب عليه معرفته وتعلمه؛ وفى هذا يقول إسحاق بن راهويه كما في "مسائل الكوسج" [٩/ ٤٦٥٤/ رقم ٣٣١١]: (طلب العلم واجب، لم يصح الخبر فيه، إلا أن معناه قائم ... ) ونقله عنه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" [١/ ٥٣/ طبعة التوعية الإسلامية]، ثم قال: "يريد إسحاق - يعنى ابن راهويه - والله أعلم، أن الحديث في وجوب طلب العلم في أسانيده مقال لأهل العلم بالنقل، ولكن معناه صحيح عندهم ... ". قلتُ: فانظر كيف صحَّحوا المعنى لشواهده العامة المتقررة في أصول الشريعة؛ ولم يصححوا بها ذاك الحديث بهذا اللفظ، فكون أصل المتن ثابتًا لما يشهد له من قواعد الإسلام وتعاليمه؛ لا يقتضى استصحاب ذلك للنهوض بخبر تالف الإسناد؛ ليس له سناد، بل الذي عليه العمل =