٢ - وأما يحيى بن عبد الحميد الحمانى: فحافظ مشهور، أول من صنَّف "المسند" بالكوفة؛ إلا أنه لم يَصُنْ نفسه، وجعل يكثر من رواية المناكير والغرائب مع التدليس أيضًا، حتى اتهمه مَنْ اتهمه بسرقة الحديث، وكذبه بعضهم، ويحيى أنبل من ذلك بكثير إن شاء الله؛ وقد كان ابن معين صُلْبًا في توثيقه والتعصب دونه، حتى كان يقسم باللَّه الذي لا إله إلا هو على توثيقه، بل ويرمى كل من تكلم فيه بالحسد، وما أنصف ابن معين بشأن الرجل كما أشار الذهبى في ترجمة يحسى الحمانى من "سير النبلاء" [١٠/ ٥٣٥]. وبالجملة: فليس الحمانى ممن يحتج به على الانفراد أصلًا، وقد بسطنا شرح حاله في "المحارب الكفيل" وعود على بدء فنقول: فلو لم يكن الحديث واردًا إلا من روايتى سيار بن حاتم ويحيى الحمانى عن جعفر بن سليمان، ما كان يقوم له قائمة لما عرفته، بل ولا يصح نسبته إلى جعفر من هذين الطريقين عنه: إلا أن محمد بن عبد الملك بن أبى الشوارب - وهو ثقة معروف - قد تدارك هذا الأمر برواية هذا الحديث عن جعفر؛ وتابع فيه سيارًا ويحيى الحمانى مشكورًا. لكن قد خولف هؤلاء الثلاثة في وصْله، خالفهم عبد السلام بن مطهر - وهو ثقة معروف، فرواه عن جعفر بن سليمان عن ثابت البنانى به مرسلًا، لم يذكر فيه (أنسًا) هكذا أخرجه البغوى في "شرح السنة" [٥/ ٢٧٤]، لكن في الطريق إليه من لم أهتد إلى ترجمته، واقال البغوى عقب روايته: "وروى بإسناد غريب عن جعفر بن سلميان عن ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ". قلتُ: ولعلَّ غرابته إنما هو لتفرد جعفر بن سليمان به عن ثابت موصولًا، =