الحمدُّ للهِ المتفضِّلِ بإنزالِ القرآنِ هدىً للناسِ، وبيِّناتٍ من الهُدى والفُرقان. أنزلَه بأفصحِ لسانٍ، وأوضحِ بيانٍ، وأَسْطَعِ بُرهانٍ، وأقومِ تبيانٍ، وأبلغ حُجَّةٍ، وأبْينِ مَحجَّةٍ. ذا حِكَمٍ بالغةٍ وحُججٍ لامعة. أخبارُه لا تَتعارضُ، وأحكامُه لا تَتَناقضُ، وفوائدُه لا تُعدُّ، وفضائلُه لا تُحدُّ. وجواهرُ بحارهِ لا تُحصَى، ودُرَرُ معانيهِ لا تُستقصَى. عَجزتِ الفُصحاءُ عن معارضتهِ، ونَكصت الألبَّاءُ عن مُناقضتهِ. وكيف لا يكونُ كذلك وهو كلامُ ربِّ العالمين، المنزَّلُ به الروحُ الأمينُ، على قلبِ سيدِ المرسلين، وأفضلِ الأولين والآخرين؛ محمدٍ خاتمِ النبيّين. أرسلَه بآياتهِ، وأيَّدَه بمعجزاتهِ، والكُفرُ قد طَمتْ بحارُه، وزخرَ تيَّارُه. وعُبدتِ الأوثانُ، وأُطيعَ الشيطانُ. فلم يزلْ صلى الله عليه وسلم يجاهدُ في اللهِ حقَّ جهاده، ويَدعو إِليه الثَّقَلين من عباده. ويدأبُ في إِيضاحِ السُّبل، ويصبرُ صبرَ أولي العزم من الرسُل، إلى أن أنجزَ اللهُ وعدَه، فعُبد وحدَه، وهزم الشيطانَ وجندَه، وفلَّ شَباتَه وحدَّه، صلى الله عليه، وعلى آلهِ الأطهارِ، وصحابتهِ الأخيارِ، ما تعاقَبَ الليلُ والنهارُ، وسلَّم، وشرَّف، وكرَّم.
أما بعدُ، فإِنَّ علومَ القرآنِ جمَّةٌ، ومعرفتَها مؤكَّدةٌ مهمَّةٌ. ومن جُملتِها المحتاجُ إِليها، والمعوَّلُ في فهمهِ عليها، مدلولاتُ ألفاظهِ الشريفةِ، ومعرفةُ معانيهِ اللطيفة؛ إِذ بذلك يُترقَّى إِلى معرفةِ أحكامهِ، وبَيانِ حلالِه وحرامِه، ومناصي أقوالِه، وإِشارة مواعظهِ وأمثالهِ.
فإنَّه نزلَ بأشرفِ لغةٍ؛ لغة العرب المحتويةِ على كلِّ فنٍّ من العجب.