للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الجاهلية الحديثة فهذا أكبر أطبائها وحكمائها الدكتور "ألكسيس كاريل" يشهد على قدرات العقل البشري - الذي يعتبر الآن في أقوى أطواره - فيقول: "وواقع الأمر أن جهلنا مطبق، فأغلب الأسئلة التي يلقيها على أنفسهم أولئك الذين يدرسون الجنس البشري تظل بلا جواب، لأن هناك مناطق غير محدودة في دنيانا الباطنية ما زالت غير معروفة .. " (١) "إننا ما زلنا بعيدين جداً من معرفة ماهية العلاقات الموجودة بين الهيكل العظمي والعضلات والأعضاء ووجوه النشاط العقلي والروحي .. كيف نستطيع أن نحول دون تدهور الإِنسان وانحطاطه في المدنية العصرية؛ وهناك أسئلة أخرى لا عداد لها يمكن أن تلقى في موضوعات تعتبر على غاية الأهمية بالنسبة لنا، ولكنها ستظل جميعاً بلا جواب، فمن الواضح أن جميع ما حققه العلماء من تقدم فيما يتعلق بدراسة الإِنسان ما زال غير كاف، وأن معرفتنا بأنفسنا ما زالت بدائية في الغالب" (٢).

فهل يزعم هؤلاء الكتاب الذين مجدوا العقل قديماً وحديثاً أن قدراتهم العقلية أضخم من قدرات العلم الحديث الذي بلغ في هذا العصر ما لم يبلغه في أي عصر من العصور، وما زال -كما قال- إلكسيس كاريل - يجهل كثيراً من قطاعات النفس البشرية .. ، هذه هي قدرات "العقل" يحددها "العلم الحديث" ويشهد بعجزه عن الكثير مما نحتاج إليه .. كما شهد علماء أهل السنّة من قبل بعجزه عن إدراك مصالح الناس في الدنيا والآخرة (٣) وأنه لا بد له من قائد يقوده ومن معلم يعلمه وهذا القائد والمعلم هو "الوحي".

ولذلك نقول إن العقل إما أن يحتكم إليه ويتربى على مبادئه العقائدية وأحكامه الجزئية، فهو حينئذ العقل الراشد المؤمن بالله ورسله وكتبه.

وأما أن يند عن حكم الوحي ويتقدم بين يديه فهو حينئذ العقل الجاهلي


(١) الإنسان ذلك المجهول ١٧ - تأليف الدكتور ألكسيس كاريل - تعريب شفيق أسعد فريد - مكتبة المعارف - بيروت - الطبعة الثالثة.
(٢) المرجع نفسه ١٨ - ١٩.
(٣) سيأتي تفصيل ذلك عند دراسة المصلحة وقضية الثبات والشمول إن شاء الله.

<<  <   >  >>