للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتمرد على الله ورسله وكتبه، والعقل الراشد مستنير بالوحي، يجيبه الوحي عن كل ما يحتاج إليه، فيفتح له الآفاق ويؤدبه بأحكام الشريعة ويجعل بينه وبين كل حكم يخالفها حداً محدوداً وحجراً محجوراً.

وأما العقل الجاهلي المتمرد فقد لج في الظلمات وأخذته الحيرة من كل وركان ولم يستطع أن يجيب على ما تحتاجه البشرية بل عجز وثبت عجزه وانكشف وهو في أعلى قمة له في العصر الحديث، وسيكون ذلك هو شأنه، لأن هذه هي طبيعته ولن يكون نظيراً للوحي أبداً، وما ينبغي له وما يستطيع، وعلى الذين لا يزالون يمجدون العقل البشري أن يدركوا الفرق بين "العقل المؤمن الراشد" وبين "العقل الجاهلي المتمرد" وحينئذ سيعلمون أن العقل لم يستحق أي تقدير إلا من بعد أن أذعن للوحي واتبع كل ما جاء به.

وعليهم حينئذ أن يتبعوا الوحي، في كل ما جاء به بلا استثناء، وأن يُعَبّدوا عقولهم لأحكامه في رضى وقبول واستسلام.

ولا يمكن بحال من الأحوال أن يظن في العقل خيراً ورشداً إن لم يتبع الوحي في العقيدة والشريعة (١). وهذه حقيقة تاريخية يشهد بها العدو والصديق فإن العرب بل أمم الأرض كلهم قبل بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم تنفعهم عقولهم ولم تدلهم على مصالحهم - لأن العقل وحده لا يحدد المصلحة والمفسدة - فقد كان قويهم يأكل ضعيفهم - كما هو الحال في هذا العصر - وكانت أحكامهم لا تحرم الزنى ولا الربا ولا الخمر - كما هو شائع في هذا العصر - وكانوا جدّ مضطربين متناحرين متباغضين فقد قسمتهم أهوائهم إلى قبائل وأمم متناحرة وطبقات يأكل بعضها بعضاً كما هو الحال في كل زمان أعرض عن حكم الله ورسوله، وذهب يترجى الهداية - بزعمه - عند العقل البشري الذي لا يتبع الوحي.


(١) أما في أمور المادة فقد أمره الإِسلام بالإِكتشاف والبناء وبقدر ما يتقدم في ذلك يكون ممدوحاً، وليس عليه من شرط إلّا شرط واحد - حتى وإن تمكن من العلم أكثر مما هو عليه الآن - وهذا الشرط هو أن يحكم إنتاجه بهذه الشريعة الربانية.

<<  <   >  >>