للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالله سبحانه يعلم كل شيء على التمام والكمال.

{وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (١).

وقد كفر كبار المدافعين عن منزلة "العقل" بقدرة العقل البشري على معرفة طريقه في الحياة الدنيا وتحديد الصراط المستقيم الذي يفرق بين الحق والباطل.

فهذا الإِمام الجويني في القرن الخامس الهجري يكفر بمخلفات الفلسفة اليونانية التي هي نتاج العقل اليوناني ويصرح بأنه لا يمكن أن يدرك خيط النجاة إلّا بالبراءة من ذلك كله (٢).

وهذا الإِمام الغزالي - الذي دخل في بطن الفلسفة العقلية وما قدر أن يخرج منها كما يقوله تلميذه ابن العربي المالكي - يموت في آخر حياته وهو ملازم لكتاب البخاري معرضاً عن كل تلك المخلفات الفلسفية التي ورثها العقل البشري (٣).


(١) سورة يونس: آية ٦١.
(٢) يقول -رَحِمَهُ اللهُ-: "لقد قرأت خمسين ألفاً في خمسين ألفاً ثم خليت أهل الإِسلام بإسلامهم فيها، وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم وغصت في الذي نهى أهل الإِسلام عنه (يقصد علم الكلام) كل ذلك في طلب الحق وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن قد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق .. " انظر مقدمة غياث الأِمم ١٢ - ١٣، والكلام واضح لا يحتاج إلى تأويل والذي ينبغي على المتأخرين هو الأخذ بوصية هذا الإِمام ومن فوائد الأخذ بها الإِعراض عن كل ما ورثه علم الكلام.
(٣) انظر الإِمام الغزالي والتصوف ٤٢٩ وفي هذا الكتاب بحث جيد عن اتجاه الغزالي ومواقفه من علم الكلام والتصوف وبيان تنقله في هذه المذاهب وذمه لعلم الكلام وتحذير الناس منه والشهادة عليه بأنه مخالف لطريقة السلف ورجوعه أخيراً عن طريقة الصوفية وموته -رَحِمَهُ اللهُ- وصحيح البخاري على صدره بعد أن اشتغل بالحديث كما ذكر ذلك بعض تلامذته ونقله شيخ الإِسلام ابن تيمية، وقد أحسن الأستاذ عبد الرحمن دمشقية في بيان العبرة من رجوع الغزالي -رَحِمَهُ اللهُ- وهي تصحيح كتبه والتحذير من طرق الكلاميين وطرق الصوفية. انظر ٤١٩ - ٤٣٣.

<<  <   >  >>