للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسالك الفاسدة قديماً وحديثاً، وبعد أن أعدت ورددت قاصداً التنبيه على خطورة هذه المسالك على ثبات الشريعة أعرض الأدلة على بيان فساده والله المستعان.

أولاً: ما قرره فقهاء أهل السنّة والجماعة من أن العقل لا يستقل بالتحسين والتقبيح وأنه لو فرض كذلك لأدى ذلك إلى إبطال الحدود التي حدها الشارع، وإذا أبطل حد واحد جاز إبطال السائر لأن ما ثبت للشيء ثبت لمثله، وهذا مؤد إلى إبطال الشريعة، وهو باطل قطعاً (١) "وعامة المبتدعة قائلة بالتحسين والتقبيح فهو عمدتهم وقاعدتهم التي يبنون عليها الشرع فهو المقدم في نحلهم بحيث لا يتهمون العقل، وقد يتهمون الأدلة إذا لم توافقهم في الظاهر حتى يردوا كثيراً من الأدلة الشرعية" (٢).

ثانياً: أن الله سبحانه وتعالى - وهو خالق العقل الإِنساني قد جعل للعقول حداً لا تتعداها، فهي لا تدرك كل شيء، ولو أمكن أن تدرك كل شيء وتصل إلى كل ما تطلبه لاستوت مع الباري سبحانه .. فإن علمه سبحانه لا يتناهى ولا يحصره شيء.

ولكن المحسوس المشاهد أن العقل لا يدرك كل شيء ولا يصل إلى كل ما يطلبه ومعلوماته تتناهى، وهو مخلوق من المخلوقات قد جعل الله له حداً ينتهي عنده (٣).


= فحسب، بل زيادة على ذلك هي خلاف للإِسلام جملة وتفصيلاً .. وهنا تدخل جميع الذاهب الفكرية المعاصرة أمثال العلمانية والوجودية والشيوعية .. باعتبار أنها من القسم الأول، وقلت هنا أنها مخالفة جملة وتفصيلاً .. لأن ما أخذته من الإِسلام، ووافقت عليه إنما كان اختياراً منها وحكماً من لدنها فيعتبر من تلك المذاهب لا من الإِسلام، تماماً كما أخذ الإِسلام بعض الأحكام من الجاهلية وأدخلها تحت حكمه فإنها تنسب إليه لأنه لو لم يحكم بصحتها لم تصح نسبتها إليه، وهي بهذا الاعتبار منه وليست من غيره.
(١) الموافقات: المقدمة العاشرة ١/ ٤٩.
(٢) الاعتصام ١/ ١٤٤.
(٣) انظر فصل العقلانية "من كتاب مذاهب فكرية معاصرة ص ٥٠٠.

<<  <   >  >>