للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قوله: "وبعثت من خير قرون بني آدم" (١). وفي رواية بريدة عند أحمد (٢): "خير هذه الأمة القرن الذي بعثت فيهم". وقد ظهر أن الذي بين البعثة وآخر من مات من الصحابة مائة سنة وعشرون سنة أو دونها أو فوقها بقليل على الاختلاف في وفاة أبي الطفيل، وإن اعتبر ذلك بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - فيكون مائة سنة أو تسعين أو سبعا وتسعين. وأما قرن التابعين فإن اعتبر من سنة مائة كان نحو سبعين أو ثمانين، وأما الذين بعدهم فإن اعتبر منها كان نحوًا من خمسين، فظهر بذلك أن مدة القرن تختلف باختلاف أعمار أهل كل زمان، والله أعلم. واتفق أن آخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود العشرين ومائتين، وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورًا فاشيًا وتغيرت الأحوال تغيرًا شديدًا ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن.

وقوله: "ثم الذين يلونهم". أي القرن الذي بعدهم وهم التابعون. "ثم الذين يلونهم". وهم أتباع التابعين، وهذا يقضي بأن الصحابة أفضل من التابعين، وأن التابعين أفضل من أتباعهم، وظاهر التفضيل أنه بالنظر إلى كل فرد فرد، وقد ذهب إلى هذا الجمهور، وذهب ابن عبد البر (٣) إلى أن التفضيل إنما هو بالنسبة إلى مجموع الصحابة، فإنهم أفضل ممن بعدهم لا كل فرد منهم، واحتج على ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل أمتي مثل المطر لا يدرى خير أوله أم آخره". وهو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة،


(١) أحمد ٢/ ٤١٧، والبخاري ٦/ ٥٦٦ ح ٣٥٥٧.
(٢) أحمد ٥/ ٣٥٧.
(٣) التمهيد ٢٠/ ٢٥١، ٢٥٢.