للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

أبو حنيفة وإسحاق والهدوية وهو قول ابن مسعود الوصية بالمال كله. وسبب الخلاف في ذلك أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنك أن تذر" إلخ. هل يفهم منه علة المنع من الوصية بأن السبب في ذلك رعاية حق الوارث وأنه إذا انتفى ذلك انتفى الحكم بالمنع، أو يجعل الحكم تعبديًّا وإن علل بعلة فلا يتعدى الحكم، أو يجعل المسلمون بمنزلة الورثة كما ذهب إليه المؤيد بالله وهو قول للشافعي؟ والظاهر أن الحكم معلل معتبر التعليل، وهو منتفٍ في حق من لم يكن له وارث معين وإن كان المسلمون ورثته ولكن الضياع في حقهم غير معتبر، وكذلك إذا أجاز الورثة الوصية نفذت وإن كانت أكثر من الثلث؛ لإسقاط حقهم الذي منع اعتباره الزائد على الثلث. وقد ذهب إلى هذا الجمهور، والخلاف لأهل الظاهر والمزني، وقوّاه السبكي واحتج له بحديث عمران بن الحصين في الذي أعتق ستة أعبد، فإن فيه عند مسلم: فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - قولًا شديدًا (١)، وفسر القول الشديد في رواية أخرى أنه قال: "لو علمت ذلك ما صليت عليه" (٢). ولم ينقل أنه راجع الورثة، فدل على منعه مطلقًا، وإذا أجاز الورثة في حال الحياة وأرادوا الرجوع عن ذلك، فمن نظر إلى أن الحق قد ثبت ولو في حال الحياة قال: لا يصح الرجوع؛ لأنه إسقاط حق قد ثبت. وقد ذهب إلى هذا الصادق والناصر، وذكر في المعنى عن القاسمية أن لهم الرجوع ولعلهم يقولون: إن الحق متجدد فيصح الرجوع. وأما بعد الموت فذهب الهادي في "الأحكام" وهو قول الحسن وعطاء وابن أبي ليلى أنه لا يصح الرجوع؛ لأن الحق قد انقطع بالموت فحصل الموت وهو منقطع فلم ينفع الرجوع، وذكر الهادي في "الفنون" والمؤيد بالله وأبو حنيفة


(١) تقدم تخريجه ص ٥١٨.
(٢) البيهقي ١٠/ ٢٨٧.