للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

هذا التعليل بأنه لا يجب فيما يخشى من عاقبته التضمين. وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه يجوز الرد للواصف إذا غلب في الظن الصدق، ولا يجب إلا ببينة. وذكر مثل هذا في "شرح الإبانة" وقال: هو قول عامة أهل البيت وعلماء الفريقين. يعني الحنفية والشافعية. قال ابن رشد في "نهاية المجتهد" (١): وسبب الخلاف معارضة الأصل في اشتراط الشهادة في صحة الدعوى؛ لظاهر الحديث، فمن غلَّب الأصل قال: لا بد من البينة. ومن غلَّب ظاهر الحديث قال: لا يحتاج إلى بينة. وإنما اشترط الشهادة أبو حنيفة والشافعي؛ لأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اعرف عفاصها ووكاءها". يحتمل أن يكون ذلك لأجل ألا تلتبس بماله، وليس لأجل الرد، فلما وقع الاحتمال وجب الرجوع إلى الأصل، فإن الأصول لا تعارض بالاحتمال المخالف لها إلا أن تصح الزيادة المذكورة في الحديث. قال المصنف رحمه الله تعالى (٢): قد صحت هذه الزيادة فتعين المصير إليها. قال: وما اعتل به بعضهم من أنه إذا وصفها فأصاب فدفعها إليه، فجاء شخص آخر فوصفها فأصاب، لا يقتضي الطعن في الزيادة، فإن ذلك الاحتمال حاصل مع البينة. وقال الخطابي (٣): إن صحت الزيادة لم تجز مخالفتها، وهي فائدة قوله: "اعرف عفاصها ... " إلخ. وإلا فالاحتياط مع من لم ير الرد إلا بالبينة. قال: ويتأول قوله: "اعرف عفاصها". على أنه أمره بذلك لئلا يختلط بماله، أو لتكون الدعوى فيها معلومة. والله أعلم. وذكر غيره من الفوائد أيضًا أن يعرف صدق المدعي من كذبه، وأن فيها تنبيهًا على حفظ المال، فإنه إذا نبّه على حفظ الوعاء، كان فيه تنبيه على حفظ المال من باب الأولى.


(١) بداية المجتهد ٢/ ٢٣٠.
(٢) الفتح ٥/ ٧٩.
(٣) معالم السنن ٢/ ٨٦.