وإن كان غيرهم من الكفار كذلك تعتبر أحكام الصلح فيما بينهم، وظاهر الحديث عموم صحة الصلح سواء كان قبل إيضاح الحق للخصم أو بعده، كما في حكومة الزُّبير والأنصاري (١)؛ فإن ظاهر القصة أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكن قد أبان للزبير ما يستحقه وأمره بأن يأخذ بعض ما يستحقه، ثم أبان الأمر لما لم يقبل الأنصاري الصلح وطلب مُرَّ الحق، ولا يكون الصلح فيما بين المتخاصمين إلَّا هكذا، وأمَّا بعد إبانة الحق فإنَّما هو طلب صاحب الحق أن يحل صاحبه بعض الحق الذي له، وقد ذهب إلى هذا الفقهاء الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد، والخلاف في ذلك للعترة والشّافعيّ فقالوا: لا يصح الصلح مع الإنكار، ومعنى أنَّه لا يصح، هو اُنه لا يطيب مال الخصم مع إنكار (١) المصالح، وذلك حيث يدعي عينا (أ) أو دينًا فيصالح ببعض العين أو الدين مع إنكاره، فإن الباقي لا يطيب له، بل يجب عليه تسليمه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل مال امرئ مسلم إلَّا بطيبة من نفسه"(٢) وقوله تعالى: {إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ}(٣). ويجاب عنه بأنه قد وقع طيبة النَّفس بالرضا بالصلح، وعقد الصلح قد صار في حكم عقد المعاوضة، فيحل له ما بقي.
وقوله:"إلَّا صلحًا حرم حلالًا". وذلك مثل أن تصالحه المرأة بشيء على ألا يطأ أمته أو زوجةً غيرها ونحو ذلك، فإن هذا لا يصح ولا يحل