في الحديث دلالة على استحباب الدعاء، وأفضل الدعاء ما دل عليه الحديث، والله أعلم.
٥٧٩ - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "نحرتُ ها هنا ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف" رواه مسلم (١).
قوله "نحرت ... " إلى آخره في هذه الألفاظ بيان رفقه - صلى الله عليه وآله وسلم - وشفقته بأمته في توسعة الأمر عليهم وعدم التضييق والتحرج عليهم فبين لهم المحل الأفضل وهو الموضع الذي نسك فيه، وأنه غير متضيق عليهم الاقتفاء به في ذلك، بل يجزئهم أن ينسكوا فيه وفي غيره مما شمله الاسم، ومنى حدها من وادي محسر إلى العقبة، فأي جزء منها وقع فيه النحر أجزأ، ومنى هي محل لجميع النسك المشروع في الحج وهو دم القران والتمتع والإحصار والإفساد والتطوع بالهدي، وهو مكان اختياري لهذه الدماء، وأما ما لزم المعتمر فمحله مكة، وأما سائر الدماء من الجزاءات ونحوها فمكانها الحرم المحرم ولكنه لا يختصُّ بمنى إلا إذا كان النحر في أيام التشريق، وأما إذا أخر عن أيام التشريق فالحرم جميعه صالح لذلك، وإذا نحر في غير منى أجزأ ولزمه دم، وقال الشافعي وأصحابه: يجوز نحر الهدي ودماء الجنايات في جميع الحرم لكن الأفضل في حق الحاج النحر بمنى، وأفضل موضع النحر بمنى موضع نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما قاربه.
قال ابن التين: منحر النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الجمرة الأولى التي تلي مسجد منى، والمنحر فيه فضيلة عن غيره، ولذلك كان ابن عمر يسابق إليه، وأخذ ابن التين تعيين هذا المكان من أثرٍ ذكره الفاكهي من طريق ابن
(١) مسلم الحج باب ما جاء أن عرفة كلها موقف ٨٩٣:٢ ح ١٤٩ - ١٢١٨ م.