فإن قيل: فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا»، ولم يصم كذلك، بل كان يصوم سردًا ويفطر سردًا، ويصوم شعبان وكل اثنين وخميس، قيل: صيام داود الذي فضله على الصيام قد فسره - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر بأنه صوم شطر الدهر، وكان صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جمع يبلغ صيام نصف الدهر أو يزيد عليه، وقد كان يصوم مع ما سبق ذكره: يوم عاشوراء، وتسع ذي الحجة، وإنما كان يُفرق صيامه ولا يصوم يومًا ويفطر يومًا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتحرى صيام الأوقات الفاضلة، ولا يضر تفريق الصيام والفطر أكثر من يوم ويوم إذا كان القصد به التقوي على ما هو أفضل من الصيام؛ من أداء الرسالة وتبليغها والجهاد عليها، والقيام بحقوقها، وكان صيام يوم وفطر يوم يُضعفه عن ذلك.
ولهذا لما سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي قتادة عمن يصوم يومًا ويفطر يومين، قال:«وَدِدْتُ أَنِّي طُوِّقْتُ ذَلِكَ»(١).
وقد كان عبد الله بن عمرو بن العاص لما كبر يسرد الفطر أحيانًا ليتقوى به على الصيام ثم يعود فيصوم ما فاته؛ محافظة على ما فارق عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من صيام شطر الدهر، فحصل للنبي - صلى الله عليه وسلم - أجرُ صيام شطر الدهر وأزيد منه بصيامه المتفرق، وحصل له - صلى الله عليه وسلم - أجر تتابع الصيام بتمنيه لذلك، وإنما عاقه عنه الاشتغال بما هو أهم منه
(١). أخرجه مسلم برقم ١١٦٢، ومعنى: طُوقت ذلك: أي أطقته وقدرت عليه.