العلماء، وتكلم عليه بمثل ما هنا الشاطبي في الاعتصام وابن رجب في بعض رسائله، كما نقلت ذلك في جزء أفردته للكلام على الحديث المتداول الباطل وسميته:"إياك من الاغترار بحديث أعمل لدنياك"، وبينت فيه أن معنى هذه الجملة مستحيل لا يتصور في العقل وجوده، إذ من عمل للدنيا كأنه يعيش أبدا وانقطع إليها هذا الانقطاع كيف ينقطع إلى الآخرة انقطاعًا كليا كانقطاع من يظن أنه يموت غدا؟!، فإنه لم يبق له متسع لغير العمل والتوبة والرغبة إلى اللَّه تعالى في هذا الزمن القصير، فالجملة الشائعة حديثا آمرة بالمتناقضين وذلك محال.
قال في الكبير: قال الهيثمي: رجاله ثقات ومن ثم رمز المصنف لصحته.
قلت: هذا كلام مجمل لا يدري معه هل قال هذا الحافظ الهيثمي في حديث ابن عباس أو في حديث عمران أو فيهما معا؟، بل صنيع الشارح صريح في أنه قال ذلك في حديث عمران، لأن الشارح زاد عقب قول المصنف: وعن عمران قال: "قال رجل يا رسول اللَّه أنعمل فيما جرت به المقادير وجف به القلم أو شيء نستأنفه؟ قال: بل بما جرت به المقادير وجف به القلم. قال: ففيم العمل؟ قال: اعملوا. . . "، قال الهيثمي: ورجاله ثقات اهـ.
وهذا غير صحيح ولا صواب، فإن الهيثمي لم يورد حديث عمران، وإنما أورد حديث ابن عباس [٧/ ١٩٥] باللفظ الذي أتى به الشارح، ثم قال: رواه الطبراني والبزار بنحوه إلا أنه قال في آخره: فقال القوم بعضهم لبعض: "فالجد إذًا" ورجال الطبراني ثقات اهـ.
أما حديث عمران فلم يذكره وليس هو من شرط كتابه، ولو ذكره لكان واهما فيه، لأن موضوع كتابه الأحاديث الزائدة على الكتب الستة مما أخرجه أصحاب الكتب التي قصد جمع زوائدها، وحديث عمران خرجه البخاري [٦/ ٢١١]،