كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا"، ويكون فيه الحث على عمارة الدنيا لينتفع بها من يجئ بعده والحث على عمل الآخرة فغير مرضي، لأن الغالب على أوامر الشارع ونواهيه الندب إلى الزهد في الدنيا والتقلل من متعلقاتها والوعيد على البناء وغيره، وإنما مراده أن الإنسان إذا علم أنه يعيش أبدًا قل حرصه وعلم أن ما يريده لن يفوته تحصيله بترك الحرص عليه والمبادرة إليه فإنه يقول: إن فاتني اليوم أدركته غدًا فإني أعيش أبدا فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اعمل عمل من يظن أنه يخلد" فلا يحرص على العمل فيكون حثا على التقلل بطريق أنيق ولفظ رشيق ويكون أمره بعمل الآخرة على ظاهره فيجمع بالأمرين حالة واحدة وهو الزهد والتقلل لكن بلفظين مختلفين، أفاده بعض المحققين.
قلت: أخطأ المصنف في عزو هذا الحديث، وأخطأ الشارح في معناه.
أما المصنف فإنه عزا الحديث إلى البيهقي في السنن [٣/ ١٩]، والبيهقي لم يخرجه بهذا اللفظ بل خرجه مطولًا، وهذه الجملة المذكورة هنا هي من تمامه، فرواية البيهقي لا تدخل في هذا الحرف على اصطلاحه، وإنما رواه بهذا اللفظ الديلمي في مسند الفردوس فقال:
أخبرنا محمود بن إسماعيل أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن على المكفوف حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا محمد بن الحسن الكرخي ثنا أحمد بن محمد بن زنجويه ثنا عبد اللَّه بن صالح ثنا ليث عن ابن عجلان عن مولى لعبد اللَّه بن عمرو عن عبد اللَّه بن عمرو قال: "قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: اعمل. . . " وذكر مثله.
وهذا اختصار من بعض جهلة الرواة وهو الذي أوقع في الغلط في فهم معناه حتى رواه بعضهم باللفظ المشهور المتداول بين الناس، لا سيما خطباء القاهرة وعلماء الازهر المفتونين بالدنيا الجاهلين بالآخرة، فإن الواحد منهم لا يكاد