قلت: تقدم لنا مرارا أن تعليل الشارح الأحاديث بأبي عبد الرحمن السلمي من جهله التام بالحديث وبعده الشاسع عن دراية صناعته، بل تعرضه لذكر الرجال من فضوله المجرد الذي لا يصنع به شيئًا سوى أنه يفضح نفسه، وقدمنا ترجمة أبي عبد الرحمن السلمي وبيان ثقته وجلالته ونزيد هنا أن هذا الحديث رواه ابن عدي في الكامل [٧/ ٢٥١٣] عمن هو في طبقة أشياخ شيوخ أبي عبد الرحمن السلمي لأنه أكبر منه، ومات قبله بسبع وأربعين سنة، فبرئت ساحة أبي عبد الرحمن منه، فإن أبا عبد الرحمن إنما هو في سند الديلمي إذ قال:
أخبرنا فيد بن عبد الرحمن أخبرنا أبو مسعود البجلي أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا محمد بن أحمد بن هارون ثنا عبد الرحمن بن محمد علي بن زهر القرشي ثنا أيوب بن علي بن مغلاص حدثنا أحمد بن يونس سمعت نافعًا أبا هرمز سمعت أنسا به.
ولما ذكره الحافظ في زهر الفردوس أعله بنافع وحده فقال: نافع ضعيف جدًا، وكذلك فعل ابن عدي فأخرجه في ترجمة نافع، وتبعه الذهبي في الميزان فأورده في ترجمته على أنه من مناكيره، فأين أبو عبد الرحمن السلمي الإمام الثقة الجليل من التهمة بهذا الحديث؟! لولا جهل الشارح بهذه الصناعة، وكذلك شيخه محمد بن أحمد بن هارون لا دخل له في الحديث.
وقال الشارح في الكبير في الكلام على معنى الحديث: والمراد تقديم أمر الآخرة وأعمالها حذر الموت بالفوت على عمل الدنيا، وتأخير أمر الدنيا كراهة الاشتغال بها على عمل الآخرة، وأما ما فهمه البعض أن المراد: "اعمل لدنياك