فعلى هذا المقيد يُحمل ما أطلق في غيره. قاله الحافظ في " الفتح ". ثم قال: فائدة: قال ابن بزيزة في " شرح الأحكام ": يتوجه على حديث أبي هريرة إشكالٌ يصعب التخلص منه، وذلك أن الصغائر بنص القرآن مكفِّرة باجتناب الكبائر، وإذا كان كذلك فما الذي تكفره الصلوات الخمس؟ انتهى. وقد أجاب عنه شيخنا الإمام البلقيني: بأن السؤال غير وارد؛ لأن مراد الله (إن تجتنبوا) أي: في جميع العمر. ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت الإيمان أو التكليف إلى الموت، والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها - أي في يومها - إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم، فعلى هذا لا تعارض بين الآية والحديث، انتهى. وعلى تقدير ورود السؤال فالتخلص منه بحمد الله سهل، وذلك أنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس، فمَن لَم يفعلها لَم يعد مجتنباً للكبائر؛ لأن تركها من الكبائر فوقف التكفير على فعلها، والله أعلم. وقد فصَّل شيخنا الإمام البلقيني أحوال الإنسان بالنسبة إلى ما يصدر منه من صغيرة وكبيرة، فقال: تنحصر في خمسة. أحدها: أن لا يصدر منه شيء البتة، فهذا يعاوض برفع الدرجات. ثانيها: يأتي بصغائر بلا إصرار، فهذا تكفّر عنه جزماً. ثالثها: مثله , لكن مع الإصرار فلا تكفر إذا قلنا إن الإصرار على الصغائر كبيرة. رابعها: أن يأتي بكبيرة واحدة وصغائر. خامسها: أن يأتي بكبائر وصغائر. وهذا فيه نظرٌ. يحتمل: إذا لَم يجتنب الكبائر أن لا تكفر الكبائر بل تكفر الصغائر. ويحتمل: أن لا تكفر شيئا أصلا. والثاني أرجح؛ لأن مفهوم المخالفة إذا لَم تتعين جهته لا يعمل به. فهنا لا تكفّر شيئاً إما لاختلاط الكبائر والصغائر , أو لتمحض الكبائر أو تكفر الصغائر، فلم تتعين جهة مفهوم المخالفة لدورانه بين الفصلين فلا يُعمل به. ويؤيده أن مقتضى تجنب الكبائر أن هناك كبائر، ومقتضى " ما اجتنبت الكبائر " أن لا كبائر فيُصان الحديث عنه. انتهى كلامه رحمه الله.