بعضه، أمرّ به ولا أقف عليه، ولكني قرأته. فهل في الطلاب اليوم من قرأ «الأغاني»؟ ولولا الحياء لقلت: كم من أساتذة العربية مَن قرأه كله؟
كنا نستدرك ونحن طلاب على الشعراء الكبار! لما قال خير الدين في قصيدته في الثورة السورية:«غضبت لسوريا الشهيدة أمة» قلنا: أخطأ خير الدين، فلا يقال «سوريا الشهيدة» بل «سوريا الشهيد».
ولقد أمضينا أياماً نفتش فيها -بإرشاد أستاذنا الجندي- عن «مواضيع» جمع موضوع، هل لها وجه من الصحة أم الحق ما قاله في ردّه على اليازجي من أن الصواب أن يُقال «موضوعات»؟
لقد كان أستاذنا الجندي وأستاذنا المبارك يمنعاننا من قراءة الجرائد والمجلات وأكثر القصص، خوفاً علينا من أن تتسرب العُجْمة ويمشي اللحن إلى ألسنتنا.
لقد كلفنا سليم الجندي -لما جاءنا أستاذاً للعربية في مكتب عنبر في الشام سنة ١٩٢٣ - أن نحفظ قصيدة المتنبي التي ودّع بها سيف الدولة:«وا حرَّ قلباهُ ممّن قلبُهُ شَبِمُ»، وبعد أن شرحها لنا عاد فقال لنا: دعوها، فإن المتنبي شاعر مولَّد لا يُحتَجّ بعربيّته، وراح يختار لنا من الشعر الجاهلي وشعر صدر الإسلام ما لا أزال إلى الآن -بعد خمس وستين سنة- أحفظ طائفة صالحة منه. وطلاب اليوم إن كُلِّفوا حفظ مئتَي بيت في العام كله عدّوا ذلك من المصائب التي لا تُحتمَل!