أما العلم فأظن أننا لو نظرنا إلى المناهج الآن لوجدناها أوسع حدوداً وأكثر إحاطة وأجمع لمسائل العلم، ووجدنا فيها ما لم نكن نجده على أيامنا. ولكن إن أبصرنا الطلاب ورغبتهم بالعلم، وإقبالهم عليه وحبهم إياه، وجدناهم قد نزلوا بدلاً من أن يصعدوا، وضعُفوا بدلاً من أن يقوَوا. وليس هذا في المملكة وحدها، ولا في الشام معها، بل هو أمر يكاد يكون عاماً مشاهَداً في جميع بلدان هذا الشرق العربي. لقد غدا قدراً مشترَكاً بين الطلاب جميعاً.
فإن جئنا إلى العربية وعلومها، ومعرفة قواعدها والتمكن منها والبعد عن اللحن فيها، رأينا عجباً لو جاء يحدّثنا به واحدٌ ونحن صغار لحسبناه هارباً من البيمارستان!
* * *
أنا هنا للصدق لا للمجاملة، جئت لأكون مؤرّخاً لا شاعراً مَدّاحاً. أنا كالطبيب، فهل تقبل من الطبيب أن يكتم عنك مرضك وأن يقول لك إنك صحيح معافى سليم من العلل، حتى يستفحل المرض ويفوت أوان المداواة فلا يفيد الدواء؟
كان أكثر طلاب الثانوية منا يقرأ الكتاب الأدبي فلا يلحن، أو يزلّ لسانه باللحن الخفيف فينبهه رفيقه فيعود إلى الصواب. كنا نقرأ في مثل «عيون الأخبار» لابن قُتَيبة و «الكامل» للمبرَّد.
هل تصدّقون أني قرأت «الأغاني» كله وأنا لا أزال طالباً؟ أعترف الآن أنني لم أفهم كل ما فيه من الشعر وأني كنت أتخطى