فالشوقُ بالشوق منقاسٌ ومعتبرٌ ... قضى بذلكَ خير الرسل والحكما
وإن تشكَّك بالتشكيك فهو على ... تواطُؤ باتحاد الجنس قد نظما
وموجباتُ ودادي فيك ما سلبت ... ولا غدا عقدُ ودي عنكَ مُنْفَصِما
محصلات ودادي ما رضيت لها ... عنك العدول ولا أوليتها عدما
وقد تألَّفَ شملانا على نَمَطٍ ... لنا نتائج وُدٍّ تمنَعُ العَقَما
وهذه القطعة من شعره تدل على أنه مفرد بليغ، ولا مفرد سواه يوصف بالبلاغة، وقد تم التوجيه بالقضايا المنطقية الموجبة والسالبة والمحصلة والمعدومة، ولله در القائل:
الحُسْنُ يظهَرُ في شيئين رونَقُه ... بيتٌ من الشَّعْرِ أَوْ بيتٌ [من] الشَّعَرِ
وقد أخذت عنه في كثير من الفنون العلمية، وأخذت عنه غالب مؤلفاته الشريفة، وبموته طفىء على اليمن مصباحُهم المنير، ولا أظن يرون مثله في تحقيقه للعلوم والتحرير، وقد جرت بيني وبينه مكاتبة أدبية، ومراسَلةٌ لمسائل علمية، هي عندي مثبتةٌ بخطه الشريف، وقلمه اللطيف، وكان قد توفي قبله بمدة يسيرة ابنُه العلامةُ عليُّ بن محمد، وهو أحد محققي العلماء، وممن لازم والده في جميع المعارف، حتى بلغ ذروة العلوم تحقيقًا وتدقيقًا، وقد شاركتُه في الأخذ على والده في كثير من مقروءاته - رحمهما الله تعالى -، وقد كنت قلتُ في والده مراثيَ، وأشركته فيها، لولا الإطالُة لذكرتُها، انتهى كلام "الديباج"، وهو أزينُ من الديباج على أجساد أهل التاج، وفي كتاب "النفس اليماني والروح الريحاني" للسيد الإمام والعلامة المحدِّث عبدِ الرحمن بن سليمان بن يحيى بن عمر مقبول الأهدل، وممن تخرج بسيدي الإمام عبد القادر بن أحمد الكوكباني، ونشرَ علومه الزاخرة، وحررَ لطائفَ فُهومه الباهرة، وانتسب إليه، وعوَّلَ في الاقتداء في سلوك منهاج الحق عليه، إمامُ عصرنا في سائر العلوم، وخطيبُ دهرنا في إيضاح دقائق المنطوق والمفهوم، الحافظُ المسنِدُ الحجة، الهادي في إيضاح السنن النبوية إلى المَحَجَّة، عزُّ الإسلام، قاضي القضاة، محمد بن علي الشوكاني، بلغه الله في الدارين أقصى الأماني.