للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والسبب في عدم توبة المبتدع أنه يرجو بعمله، أو قوله، أو اعتقاده المحدث القرب من الله، فلا ينفكّ من ملازمة هذا العمل.

وبسبب كون البدع أشرّ من المعاصي، وأهلها أضرّ من أهل الذنوب أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقتال الخوارج، ونهى عن قتال الولاة الظلمة (١).

ومما جاء عن السلف في اعتبار أن البدعة أشدّ ضررًا من المعاصي ما رواه ابن وضّاح بسنده عن أبي بكر بن عيّاش، قال: كان عندنا فتًى يقاتل، ويشرب، وذَكَر أشياءَ من الفسق، ثم إنه تقرّأ فدخل في التشيّع، فسمعت حبيب بن أبي ثابت، وهو يقول: لأنت يوم كنتَ تقاتل وتفعل وتفعل خيرٌ منك اليوم.

وقصد القربة يراد به إلحاق حكم شرعيّ بعمل محدَث، كالندب والاستحباب والإيجاب، أو الكراهة والتحريم، قال شيخ الإسلام: فمن ندب إلما شيء يتقرّب به إلى الله، أو أوجبه بقوله، أو فعله، من غير أن يشرعه الله فقد شرع ما لم يأذن به الله (٢).

وقصد القربة يتوجّه إلى العمل الذي لا يتصوّر فيه غير إرادة القربة كالعبادات المحضة، وهي حق خالصٌ لله سبحانه وتعالى، فلا بدّ من مطابقة فعل العبد لأمر الشرع (٣).

فالعبادة التي هي حق الله تعالى لا يُتصوّر فيها غير إرادة القربة، فالإحداث فيها يسمّى ابتداعًا، سواء قصد القربة، أو افتُرض أنه لم يقصدها، فلو أحيا ليلة النصف من شعبان بعبادة مخصوصة، كالصلاة والذكر فهو مبتدع، حتى مع افتراض عدم قصده للقربة.

ويتوجّه قصد القربة أيضًا إلى العمل الذي يَحمِل أوجهًا متعدّدة، مثل الأمور الدنيويّة، فيُنظر إلى الفعل باعتبار الوجه الغالب عليه، أو باعتبار وجه القربة إذا اتّحدت


(١) انظر "مجموع الفتاوى" ٧/ ٢٨٤.
(٢) "مجموع الفتاوى" ٣/ ١٩٥.
(٣) انظر "الموافقات" للشاطبيّ ٢/ ٣٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>