ما يكون من الشرع، وهو ما له أصل يستند إليه من الأدلة الشرعيّة.
وقد غلا بعض الناس في هذا الباب، حيث تمسّك بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فكل بدعة ضلالة" فاعتقد أن كلّ ما أُحدث فهو من البدع الضلالة، وهذا غلوّ، وجفاء، وتفريط في عدم الجمع بين أطراف النصوص في هذا الباب، وتدبّرها، وتفهّمها حقّ تدبّر وتفهّم، كما فعل هؤلاء المحقّقون الذين تقدمت أقوالهم، فإياك، ثم إياك أن تكون من هذا الصنف، أو تقلّد منهم أحدًا. اللهم أرنا الحقّ حقّا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، آمين، آمين آمين. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): أنه قد تبيّن بما سبق من أقوال أهل العلم في تعريف البدعة أنها هي التي تفعل بقصد القربة، وهذا أصل أصيلٌ يفرّقُ به بين الفعل الذي يكون بدعةً، والفعل الذي يكون معصيةً فقط، وإن كانت البدعة معصيةً لله سبحانه وتعالى إلا أنها تفوق المعصية في الإثم والحكم.
فالمعصية في أصل وقوعها من حيث العمل والاعتقاد تختلف عن البدعة من جهة ما يقترن بكلّ منهما، فالعاصي لا يعتقد أنه بمعصيته يُرضي الله، بخلاف المبتدع، فإنه يعتقد في عمله المحدّث القربةَ إلى الله تعالى، وهذا هو وجه المفارقة.
ووجه آخر هو ما تؤول إليه البدعة من مفاسد حاليّة مآليّة في الدنيا والآخرة، وذلك باعتقاد المشروعيّة أو الجواز فيما ليس له أصل، وما يترتّب على هذا الاعتقاد من شيوع وانتشار، حتى ينشأ عليها الصغير، ويموت عليها الكبير، بخلاف المعصية، أو المخالفة.
وهذا هو معنى ما قاله سفيان الثوريّ رحمه الله: البدعة أحبّ إلى إبليس من المعصية، فإن المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتاب منها (١).