أوجه الفعل الواحد، فمن لبس ثوبًا بلون معيّن، ولم يُرد بذلك القربة فلا يوصف هذا العمل بالبدعة؛ لأنه مباح، إلا إذا لحقته أمور منهيّ عنها، كالإسبال والاشتهار، فإنه يكون معصيةً. أما إذا أراد بذلك الثوب المعيّن القربة فإنه ييهون بدعة، كما يفعله بعض الصوفيّة من اشتراط لون معيّن لمريدهم.
والحاصل أن كلّ فعل، أو ترك قُصد به القربة، مما ليس له أصل في الشرع فهو بدعة.
فخرج بذلك ما فُعل أو تُرك لا بقصد القربة، فإنه يكون معصيةً، أو مخالفة، أو عفوًا، ولا يُطلق عليه بدعة.
مثال ما فُعل لا بقصد القربة، ويكون معصيةً جميع المنهيات الشرعية، كالنظر إلى النساء، وسماع الغناء، فإذا كان هذا الفعل بقصد القربة فهو بدعة.
ومثال ما تُرك لا بقصد القربة ترك المأمور به شرعًا، كترك النكاح للقادر عليه، وكترك الدعوة إلى الله ممن وجبت عليه، فإذا كان هذا الترك بقصد القربة فهو بدعة.
ومثال ما فُعل لا بقصد القربة ويكون عفوًا حلقُ الرأس في غير نسُك، فإن فُعل بقصد القربة فهو بدعة.
ومثال ما تُرك لا بقصد القربة، ويكون عفوًا الامتناع عن أكل اللحم للتطبّب ونحوه، فإن كان الترك تديّنًا فهو بدعة. وللاستزادة في هذا الموضوع راجع "اقتضاء الصراط المستقيم"، و"مجموع الفتاوى" لابن تيميّة رحمه الله تعالى (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(١) "اقتضاء الصراط المستقيم" ١/ ٣٢٦ - ٣٢٧ و ٢/ ٦٣٠ و ٦٣٣ و ٦٣٧. "مجموع الفتاوى" ٢١/ ٣١٧ - ٣١٩ و ١٨/ ٣٤٦ "درء التعارض" ١/ ٢٤٤. وراجع "حقيقة البدعة وأحكامها" تأليف سعيد بن ناصر الغامدي ١/ ٢٩١ - ٢٩٦.