للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الشريعة، وأن المعرفة وحدها تكفي مع المحبة، وأنه لا حاجة إلى الأعمال، وأنها حجاب، أو أن الشريعة إنما يَحتاج إليها العوامُّ، وربما انضم إلى ذلك الكلام في الذات والصفات بما يُعلَمُ قطعًا مخالفته للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. انتهى. (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا البحث الذي حقّقه الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه النفيس "جامع العلوم والحكم" بحثٌ نفيسٌ، وتحقيقٌ أنيس، فعليك بمطالعته، وتدبّره، حتى ينجلي لك الفرق بين البدعة الشرعية المذمومة بكل أشكالها وألوانها التي عناها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "فكل بدعة ضلالة"، وبين البدعة اللغويّة التي يُستحسَن بعض أفرادها، وهي التي تستند إلى أصل من الكتاب والسنة، أو إجماع الأمة.

قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: البدعة كل ما فُعل ابتداء من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعيّة فما لم يدلّ عليه دليل شرعيّ -إلى أن قال-: ثم ذلك العمل الذي دلّ عليه الكتاب والسنّة ليس بدعةً في الشريعة، وإن سُمّي في اللغة، فلفظ البدعة في اللغة أعمّ من لفظ البدعة في الشريعة، وقد عُلم أن قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "كلُّ بدعة ضلالة" لم يُرد به كلّ عمل مبتدإ، فإن دين الإسلام، بل كلّ دين جاء به الرسل فهو عملٌ مبتدأ، وإنما أراد ما ابتُدىء من الأعمال التي لم يشرعها النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. انتهى (٢).

والحاصل أن المراد بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "كل بدعة ضلالة" هي البدعة الشرعيّة، لا اللغويّة.

ومن أقوى الأدلة على التفريق بين البدعة الشرعيّة واللغويّة ما أخرجه الشيخان في "صحيحيهما، من حديث عائشة رضي الله عنها، مرفوعًا: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردّ"، ففي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما ليس منه" إشارةٌ واضحةٌ إلى أن من المحدثات


(١) "جامع العلوم والحكم" ٢/ ٩٧ - ١٠٢.
(٢) راجع "الصراط المستقيم" ٢/ ٥٨٩ - ٥٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>